لكل دولة جيل، يغير تركيبتها السكانية ويقود نهضتها. إجمالاً، يكون في هذا الجيل طفرة في عدد المواليد، ويصاحبه طفرة اقتصادية غير مسبوقة. ففي الولاياتالمتحدة الأميركية، الجيل الذي ولد ما بعد الحرب العالمية الثانية، في الفترة من عام 1946 إلى 1964، أحدث طفرة سكانية «نحو 80 مليون ولادة» حرّكت الركود السكاني الذي واجهته الدولة من أول القرن ال 20، مروراً بالحرب العالمية الأولى والكساد الكبير إلى الحرب العالمية الثانية، في تلك الفترة كان هناك زيادة سكانية وصلت إلى «2.7 في المئة» سنوياً، أي ضعف ما هي عليه اليوم «1.4 في المئة». قاد هذا الجيل نهضة الولاياتالمتحدة، وخلق طفرات اقتصادية متتالية من «الصناعة» إلى «الانترنت»، إضافة إلى النهضة البحثية في الدولة، وما زال جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي تعدى البعض منهم ال 60 عاماً، يتحكمون في الاقتصاد الأميركي بنسبة تقارب ال «80 في المئة». بل إن البعض يعزو الركود الاقتصادي في عام 2008 إلى تقاعد الرعيل الأول من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية واستفادتهم من الضمان الاجتماعي في ذلك العام. في المملكة العربية السعودية، كانت الطفرة السكانية من عام 1974 إلى عام 1992 الأكبر من نوعها في تاريخ الدولة، ففي عام 1992، تضاعف عدد السعوديين في التعداد السكاني من «6،218،361» في عام 1974 إلى «12،310،053» سعودي، بمعنى ولادة أكثر من ستة ملايين في ذلك الجيل. ومع ذلك، لم تترجم هذه الزيادة الطفرة السكانية إلى طفرة اقتصادية «حقيقية» في المملكة، لم يترجم هذا النمو السكاني إلى نمو اقتصادي «حقيقي». على سبيل المثال، انخفص معدل دخل الفرد من الناتج المحلي من أكثر من «16 ألف دولار» في عام 1976 إلى «9،400 دولار» في عام 2010، بينما ارتفع دخل الفرد في الولاياتالمتحدة من «15 ألف دولار» في عام 1960 إلى «37 ألفاً» في عام 2010، يعود عدم استغلال النمو السكاني في المملكة في النمو الاقتصادي إلى عدد من الأسباب، أهمها غياب التخطيط في سوق العمل، انخفاض الإنفاق الحكومي، وغياب النمو في المجتمع المدني. أولاً: يمثل غياب التخطيط أثناء ارتفاع الإيرادات الحكومية في أواخر القرن الماضي أحد أهم أسباب سوء استغلال قدرات الجيل الأكبر في تاريخ المملكة. ارتفع عدد غير السعوديين في المملكة من «800 ألف» أجنبي في عام 1974 إلى «4،773،836» أجنبي في عام 1992، بزيادة نسبتها 486 في المئة»، أي نحو الخمسة أضعاف، أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من «10 في المئة» في 2010، وبوجود أكثر من «ثمانية ملايين» غير سعودي في المملكة، وبذلك، فإن غياب التنسيق بين المؤسسات التعليمية وسوق العمل وغياب التخطيط أدى إلى الفشل في توظيف الخريجين، وإنشاء المعاهد والجامعيات الكافية لتدريبهم وتعليمهم. ثانياً: كان لانخفاض الانفاق الحكومي في المملكة في التسعينات الميلادية من القرن الماضي، الذي يمثل فترة مهمة نظراً إلى النمو السكاني، تحدياً للجيل الكبير، على سبيل المثال، استمر الانفاق الحكومي بالارتفاع من «6،000،000،000» ريال سعودي في عام 1971 إلى «313،000،000،000» ريال سعودي في عام 1982، لكن بعد حرب الخليج عام 1991، انخفض الانفاق الحكومي إلى «143،000،000،000» في عام 1991، وبذلك، كان هناك انخفاض كبير في المشاريع التنموية، لا سيما التعليمية والاقتصادية، في العقد الأخير من القرن الماضي لم يتم تصحيحه إلا في السنوات القليلة السابقة، إذ عادت الموازنة للارتفاع وتجاوز العجز لتصل إلى مستويات قياسية في عام 2011. وبذلك، عانى الجيل الأكبر في تاريخ المملكة من عدم وجود دعم للمشاريع التعليمية والتنموية. ثالثاً: كان للأحداث الإرهابية، ابتداءً من «جهيمان» إلى التفجيرات الإرهابية في مختلف مدن المملكة، أثر سيء على الحراك الشبابي والاجتماعي في المملكة، ما أثر سلباً على طاقات الجيل، أثرت هذه الأحداث على المناخ التطوعي والحراك الشبابي في المملكة، إذ ثم إغلاق عدد من المراكز الشبابية مع تصعيب إجراءات الحصول على تمويل للعمل أو التطوع، وبذلك، تؤكد الدراسات أنه لم تتعدَ المشاركة التطوعية للشباب في المملكة ما نسبته «14 في المئة»، إضافة إلى انخفاض ثقة الشباب في إمكان المبادرة في مشروع ذي مردود مالي من الحكومة إلى «55 في المئة»، مقارنة ب «67 في المئة» في دول الخليج، يضاف ذلك إلى تقليص المشاركة الشبابية بحيث ارتفع متوسط العمر في مجلس الوزراء من 43 عاماً في 1960 إلى 62 عاماً في 2011. ما يطيب الخاطر مع كل هذه التحديات هو شخصية المواطن المولود في الجيل الكبير. من الصفات التي تميز الجيل الأكبر في كل دولة، بحسب الدراسات، كونه أكثر إصراراً على تحقيق النجاحات بحكم تواصله مع العالم الخارجي بشكل غير مسبوق... جيل الطفرة السعودي يمتلك وسائل غير مسبوقة لإثبات نفسه وتنمية مجتمعه... يذكر أن كوريا الشمالية رفضت نصيحة صندوق النقد الدولي بخفض عدد خريجي الجامعات لعدم إمكان توفير وظائف لهم، واتخذت كوريا قراراً بالاستمرار في الابتعاث والتعليم إيماناً منها بأن الجيل قادر على خلق وظائفه بنفسه. وبالفعل، حققت كوريا في القرن الماضي مستويات غير مسبوقة من النشاط الاقتصادي والوظائف التي أوجدها الشباب بمبادرتهم. فالمسؤولية اليوم لم تعد مقصورة على الحكومة، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على أبناء جيل الطفرة لتوظيف واستخدام القنوات الحكومية التي تم إيجادها أخيراً لإثبات أنفسهم وتقديم شيء للوطن... جيل الطفرة لن ينتظر الفرصة، بل سيخلقها ويعلن نفسه محركاً للنهضة السعودية التي سنشهدها بإذن الله قريباً. جيلنا قادر، ومتمكن، ومختلف... ساعدوه، ليساعد نفسه، ويبني الوطن. [email protected]