إذا كان المنشود هو المجتمع الراشد، فإن المجتمعات سواء «تكونت أو تكومت» فقد انطوت على خزائن من الثقافات، فيها الصحيح والغلط، وما هو مختلط منهما، وستكون مخرجات تلك المجتمعات ونتاجها من صميم تلك الثقافات. ومن هنا تكمن ضرورة الثقافة واستحقاقها للاهتمام وكبوابة للإصلاح فإن تجديد الثقافة هو العمل الكبير الذي يقدمه المصلحون لتلك المجتمعات، والمثقف الرائد في الإصلاح هو المفتاح لذلك التجديد. ليس بالصواب أن يبدأ الإصلاح بإلغاء الخصوصيات الثقافية، وفرض ثقافات جديدة ومحدثة، لكن الطريق يبدأ بقراءة الثقافات الموجودة، وكيف تكونت، أو تكومت، وما مصادرها؟ وما تأثيراتها؟ أي أنه لابد من فهم ثقافة التجديد قبل تجديد الثقافة، ذلك لأن الوسائل المغلوطة في الخطاب أو الممارسة ستوصل إلى نتائج سيئة وخاطئة، حتى ولو كانت بنيات حسنة، وقد جربت المجتمعات العربية كماً هائلاً من تلك الممارسات واستمعت إلى أصخب الخطابات، لكن شيئاً إلى الأمام لم يسر، بل إن تلك الأدوات والوسائل أعادت المراحل وكرست عقليات العجز والكسل والمهانة، وتوجهت إلى الاعتماد على الغير باعتباره نموذج الحضارة وأسلوب الحياة، أي أن فقداً للثقة قد حصل، ولك أن تتصور الحال بعد فقدان الثقة! وعند ذلك يأتي السؤال: لماذا التجديد الثقافي؟ قد يكون هذا السؤال ليس مهماً، لكن الأهمية في أجوبة كثيرة كانت تحاول الرد على هذا الاستفهام والمشاركة في صنع الجواب، نحن نرى أن التجديد ضرورة ملحة ل: - لدينا إرث ثقافي كبير ومهم وتحتاجه الحياة اليوم وإلى الأبد. - هذا الإرث الثقافي مر بعصور متخلفة متراجعة أضفت الجمود والتقليد في كل المعارف. - الإفاقة من تلك الحال جاءت متأخرة، في حين أن غيرنا سبق في العلوم النظرية والتطبيقية. - الإفاقة المتأخرة لم تكن شمولية، ولا يزال يصاحبها تعقيدات وعوائق وكتل جليدية لم تذب حتى اللحظة. - بعض ممارسات التجديد جاءت ناقصة لا تمثل مشروعاً صامداً وقوياً وتكاملياً تراكمياً، وهي تدور بين عفو الخاطر وردود الأفعال. - الإرادة السياسية لا تزال غير داعمة لمسار التجديد الثقافي بقدر ما يحتاجه من دعم، ولا تزال تحسب حساباتها وفقاً لمصالحها ومخاوفها. - ضعف أو انعدام الثقة في الذات العربية والإسلامية لحمل مبادرة التجديد والتقدم بها للحياة، في حين أن الاتكاء على الغير والسير في ركابه والاستجابة لمطالبه هي مصدر الثقة عند البعض. - التحولات العالمية السريعة والقوية والخطرة، والعيش في عصر معلوماتي لا محدودية له، كل ذلك حتم خيار التجديد وليس إلا التجديد، وقد عمدت إلى جعل هذا السبب هو الأخير بخلاف الذين يقدمونه، لأنه يمثل سبباً ونتيجةً في آن واحد، فقد جعلنا أمام واقع مختلف، ومن الغلط أن يكون هذا السبب هو الدافع الرئيس، لأنه سيجعل المشروع التجديدي رد فعل في أكثر أحواله، ونحن نسعى أن يكون الدافع الأهم هو الإيمان بقوة ثقافتنا وبقدراتنا وحاجتنا الذاتية وما تحدده مصالحنا ورؤيتنا. إن المثقف الذي يجعل من التجديد رسالته في الحياة قد اكتسب الثقة اللازمة بنفسه وبمشروعه وسوف يعمل على تحديد رؤية فكرية واضحة المعالم تبرز منظوره وتخطط له وتبتكر أو تتعاون مع وسائل للتنفيذ، والمثقف صاحب الرسالة يحمل المبادرات الصحيحة ويفعلها، فهو يستثمر الفرص ويعيشها ولا ينتظر من الغير إتاحة الفرصة له، لأن ذلك لا يتحقق في عالم مليء بالأعمال والأعمال المعرفية بالذات. [email protected] alduhaim@