لعل ما لا يثير الاستغراب، حقيقة أن المتزوجات من النساء يخلدن إلى النوم بشكل أفضل من العازبات أو المطلقات. فعلى الرغم من تراكم المسؤوليات العائلية والاجتماعية على المرأة المتزوجة، يُعد الزواج المستقر أحد عوامل اعتدال المزاج واستقرار الحالة النفسية، ما ينعكس بالنتيجة على طبيعة النوم أثناء الليل. فقد أفادت نتائج دراسة حديثة على 360 امرأة من أصول عرقية مختلفة في ولاية بتسبرغ الأميركية، استمرت مدة 8 سنوات، أن نوم المتزوجات أكثر استقراراً من غيرهن من أفراد العينة غير المتزوجات والمطلقات والأرامل. ووجد الباحثون أن طبيعة النوم، تحسنت في شكل ملاحظ لدى السيدات اللواتي ارتبطن بعلاقة زواج حديثة نتيجة للاستقرار العاطفي والإحساس بالأمان. وفي دراسة أخرى على عدد أكبر من النساء المتزوجات متوسطات العمر (42 – 52 سنة)، تم تحليل إجابتهن على استبيان مكون من 7 درجات يقيس مدى سعادتهن في حياتهن الزوجية، إضافة إلى درجة إصابتهن بالأرق، أو رداءة النوم. وقد تبيّن أن النساء اللواتي ينعمن بحياة زوجية مستقرة وسعيدة، ينمن بشكل أفضل بكثير مقارنة بالزوجات أقل سعادة في حياتهم الزوجية. وفي بحث آخر، تم استعراض نتائجه خلال المؤتمر السنوي لرابطة جمعيات طب النوم عام 2008، تبيّن أن 50 في المئة من النساء غير السعيدات في زواجهن، يعانين من اضطرابات في النوم على شكل أرق مزمن، وأن إصابتهن باضطرابات النوم تزيد بنسبة 30 في المئة عن غيرهن من النساء، بغض النظر عن العوامل الاجتماعية الأخرى التي يمكن أن تؤثر في الحياة الزوجية، كالحال المادية والعلاقة الجنسية أو حتى الإصابة بأعراض الاكتئاب. والمدهش عدم وجود فرق كبير في نسبة الإصابة بالأرق لدى التعيسات في زواجهن مقارنة بغيرهن من غير المتزوجات أصلاً، في إشارة إلى أن العامل المؤثر هو السعادة في الزواج، وليس الزواج بحد ذاته. وما لاشك فيه، أن عدداً من العوامل تعمل سوياً للتمتع بنوم هادئ لدى كثير من النساء المتزوجات، منها الثقة بالنفس والشعور بالسعادة وانخفاض مستوى التوتر، والاستقرار المادي والنفسي، إضافة إلى العلاقة الحميمية بين الأزواج. فقد أفادت بعض الدراسات وجود علاقة وطيدة بين تبادل الأحضان والقبلات بصورة حميمية بين الأزواج، وخفض مستوى التوتر ومعدل ضغط الدم. ومن المعروف علمياً أن العلاقة الجنسية بين الأزواج تحفز على النوم الهادئ تبعاً لإفراز «الإندورفينز» وهرمون «الأوكسيتوسين» أو ما يسمى «هرمون الحب» المهدئ للأعصاب والخافض لضغط الدم بخاصة لدى النساء، ما يساعد على التواصل العاطفي والأُلفة والمودة بين الأزواج، ويفسر الشعور بالراحة والنعاس مباشرة بعد العملية الحميمية، بخاصة لدى الرجال. ولاشك أن التوافق في عادات النوم السلوكية بين الأزواج، يصب في مصلحة استقرار الحياة الزوجية، وأن اضطرابات النوم المختلفة كالشخير وانقطاع التنفس أثناء النوم، ومتلازمة عدم استقرار الساقين، والأرق المزمن، تؤدي بالنتيجة إلى زعزعة هذا الاستقرار، نظراً لأثرها السلبي طويل الأمد على طبيعة النوم، والحالة النفسية. وفي السياق نفسه، أفاد المركز القومي الأميركي للإحصاءات الصحية في تقريره عام 2004، أن المتزوجين من الرجال والنساء، يتمتعون بصحة أفضل، ويمارسون الرياضة أكثر من غيرهم، ويتعاطون كمية أقل من الكحول والسجائر، وأنهم أفادوا بمعاناتهم بدرجة أقل بكثير من أعراض الضغط العصبي، والصداع وآلام أسفل الظهر، مقارنة بغيرهم من المطلقين أو العزاب. وتُحفز جميع تلك الدراسات، على الدعوة إلى نهج سلوك صحي، يضمن التمتع بالنوم الهادئ، والعمل على حل الخلافات الزوجية في أسرع وقت، للحد من أثرها السلبي في طبيعة النوم، إضافة إلى الاهتمام بتشخيص وعلاج اضطرابات النوم المختلفة، تجنباً للدوران في حلقة مفرغة من المشكلات الزوجية ورداءة النوم. استشاري ورئيس قسم الأمراض الصدرية مدير مركز اضطرابات النّوم مدينة الملك عبدالعزيز الطبية في جدة