قطع محمد خاتمي الطريق على الكثيرين وانحاز مجدداً إلى خيار الجمهورية الإسلامية عندما قرر المشاركة في الانتخابات البرلمانية في رفض صريح لدعوات المقاطعة التي أطلقها بعض أطياف المعارضة الإيرانية، وفي مقدمتهم زعيما «الحركة الخضراء» مير موسوي ومهدي كروبي. قطيعة خاتمي مع من يطلق عليهم النظام اسم «تيار الفتنة» لم تأت بين ليلة الانتخابات وضحاها، فقد سبق أن وجه خاتمي نقداً لاذعاًَ لموسوي وكروبي، ووصف الحركة الخضراء بأنها لم تكن سوى «هيجان كاذب انتهى أمره». تتجاوز مشاركة خاتمي صندوق الاقتراع، إلى دور محتمل للرجل في الحياة السياسية في القادم من الأيام. لقد كان النظر إلى الحركة الخضراء على أنها جزء من الحركة الإصلاحية الإيرانية التي يتزعمها خاتمي من الأخطاء الشائعة في دراسة الحالة السياسة في إيران، والحقيقة أن قراءة في خطاب خاتمي تجاه عدد من القضايا الحساسة والجوهرية، ومقارنته بما صدر عن زعيمَي الخضر، موسوي وكروبي، تجاه القضايا نفسها، تكشفان عن خلافات واختلافات عميقة تشي بحالة انقسام، ظهرت بصورة قاطعة في الانتخابات الأخيرة. علنياً لم يخط المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية خطوات تقارب مماثلة للتي قام بها خاتمي، وظهر كما لو أنه لا يلقي بالاً حتى للخطابات التي أرسلها له خاتمي وتسربت مقتطفات منها. ظاهرياً لم يستجب خامنئي لشروط خاتمي الرئيس السابق والزعيم الإصلاحي للعودة إلى الحياة السياسية والتي طالبت بإطلاق سراح السجناء السياسيين وحرية الإعلام، لكن المرشد في الوقت ذاته أبقى الباب موارباً لمشاركة الإصلاحيين ولم تشهد عملية تقرير صلاحية المرشحين من التيار الإصلاحي رفضاً مماثلاً كالذي شهدته الدورتان السابقتان من انتخابات مجلس الشورى. يقال إن مكتب خاتمي تلقى من بعض المواقع المحسوبة على الخضر ملفاً تجاوز ال 500 صفحة احتوى على رسائل تنتقد مشاركته في الانتخابات، لكن خاتمي رد في بيان مقتضب يقول الكثير: «إن الخطوة التي أقدمت عليها جاءت استجابة لرؤيتي السياسية والفكرية وما أؤمن به». ينظر خاتمي باحترام إلى موقع الولي الفقيه والقائد، ولا يرى في التعريف الذي تقدمه حركة الإصلاح لمؤسسة القيادة ما يتعارض مع وجودها ونشاطها. لكن مثل هذا النهج لا يمكن العثور عليه في التعليقات والتصريحات التي صدرت عن موسوي وكروبي. يقول خاتمي في لقاء اللجنة المركزية لبيت الأحزاب، والذي عُقد في منزله عام 2009: «نحن نريد الدستور ونريد الإسلام، وللقائد مكانة مهمة للغاية، وما نريده من القيادة هو أن تأتي وفق ما نص عليه الدستور، بحيث يكون القائد لكل إيران ولكل الناس». ومن المهم ملاحظة أن خاتمي حذر مبكراً من مواجهة سيقودها نجاد ضد القيادة، فهو يرى أن فريقاً - ويقصد به تيار أحمدي نجاد - يسعى لتوجيه لطمة إلى مكانة الإمام والثورة والقيادة، ويعمل على تقويض المبادئ التي يدّعي أنها حكر على فصيل معين. ومن وجهة نظر خاتمي فإن هذا التيار مارس جفاء بحق الإسلام والإمام والثورة... وهو يتهمه بأنه «يحاول إخفاء كذبه بالاستتار بالمقدسات، وأن ما يقوم به في الحقيقة هو وضع الإمام والقائد ومجمل النظام في مواجهة الاتجاهات كلها، وأنه هو عدو الثورة لا نحن. ويحدد خاتمي حالة الاعتراض التي تمارسها الحركة الإصلاحية بأنها للدفاع عن الإسلام والثورة والجمهورية الإسلامية. وضمن الحديث عن أولويات الحركة الإصلاحية، فإن خاتمي يشدد على أن خوف الإصلاحيين اليوم من الوضع الحالي، يتركز على مبدأ الثورة الإسلامية وإيران ونظامهما. ويقطع الطريق على محاولات القول إن الحركة باتت تسير بعيداً عن نظام الجمهورية الإسلامية، فيقول: خصائص الحركة الإصلاحية هي اتباع خط الإمام الخميني والثورة والدفاع عن المصالح الإسلامية والتزام الدستور، واعتراضنا الأساسي هو ألاّ يجري تطبيق الدستور في شكل صحيح، أو يتم إجراؤه بصورة خطأ. فالإصلاحات ما هي إلاّ قبولنا بالنظام والسعي من خلال إطاره الكلي لتصحيح الخلل وإعادة الحرمة إلى حياة المواطنين، ونحن معترضون على أسلوب البعض في إدارة البلاد، ولسنا في مواجهة مع النظام. دافع خاتمي ويدافع عن قائد الثورة ويأخذ على تيار معين محاولته توجيه لطمة إلى قيم الثورة وموقع القيادة عبر إلصاقه تهمة معاداة الثورة بكل من يختلف معه بالرأي؛ ويظهر خلافه الشديد مع توجهات أحمدي نجاد، التي يرى أنها مخالفة للديموقراطية، وانقلاب على فكر الخميني الذي كان منسجماً مع المبادئ الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وحرية الاجتماعات. ويرى خاتمي في فكر نجاد خطراً يتهدد إيران وقيادتها، ولذا فإنه اتخذ قراراً بمواجهته. وتنطلق هذه المواجهة ومن تعريفه للحركة الإصلاحية بأنها تلك الحركة التي تدافع عن أصل النظام وقيادته، وتتحرك ضمن إطاره الكلي. ظل خاتمي يصر على البقاء ضمن إطار النظام، والنظام اليوم وفي القادم من الأيام يحتاج إليه، وبخاصة على صعيد العلاقات مع الخارج. يحتاج إلى الرجل الذي استطاع أن يبني جسور ثقة مع العالم والجيران، تشعر إيران اليوم أنها تحتاج إلى ترميم، وربما يكون دور خاتمي المستقبلي هو العودة ليقوم بدور المرمم.