حقق مجلس الوزراء اللبناني إنجازاً مهماً بموافقته على إلغاء وثائق الاتصال وكتب الإخضاع التي تجيز للأجهزة الأمنية ملاحقة كل من يرد اسمه في اللوائح الصادرة عن مديرية مخابرات الجيش أو المديرية العامة للأمن العام والتحقيق معه وتوقيفه إذا اقتضى الأمر من دون أن تكون صادرة بحقه مذكرة بحث وتحرٍ عن القضاء اللبناني المختص. وأجمع الوزراء الذين شاركوا في الجلسة التي عقدت أمس برئاسة تمام سلام، على أن هذا الإنجاز الأمني والقضائي يقضي بوقف المفاعيل المترتبة على وثائق الاتصال وكتب الإخضاع من جهة وتصويب المسار العام للخطة الأمنية التي تطبق في طرابلس والبقاع الشمالي. وأكدوا أن قرار الإلغاء تم بطلب من وزير الداخلية نهاد المشنوق وبدعم مباشر وبقوة من سلام والوزراء، ومن بينهم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل ووزير العدل أشرف ريفي. وقال وزراء إن وقف العمل بمفاعيل وثائق الاتصال وكتب الإخضاع أدى الى رفع السيف المسلط على رقاب الألوف المشمولين بالملاحقة بناء لوشاية أو إخبار. وكشف أحد الوزراء ل «الحياة»، عن أن إلغاء مفاعيل مثل هذه التدابير ووقف العمل بها من شأنه أن يساهم في تصويب الخطة الأمنية في طرابلس في ظل وجود أكثر من 1400 مذكرة بحق أشخاص من عاصمة الشمال مضت عليها سنوات وتقضي بملاحقتهم، مع أن الملاحقات الصادرة عن القضاء ضد المخلين بالأمن تشمل 61 شخصاً من باب التبانة وأحياء أخرى من طرابلس في مقابل 30 اسماً من جبل محسن جرى ملاحقة الغالبية منهم وتوقيفهم. ورأى الوزير أنه ستكون لمثل هذا التدبير آثار إيجابية على تطبيق خطة طرابلس والبقاع الشمالي، وسينعكس إيجاباً على الاستقرار العام، كما سيدفع الى تراجع ردود الفعل على التوقيفات العشوائية استناداً الى وثائق الاتصال وكتب الإخضاع، لا سيما أن الألوف المشمولين بها لم يشاركوا في الاشتباكات التي كانت تدور بين باب التبانة وجبل محسن أو في مناطق أخرى في الشمال والبقاع الشمالي، إضافة ألى أنه مضى على ملاحقات بموجب هذه الوثائق والكتب أكثر من 20 سنة ومعظمها من صنع النظام الأمني اللبناني- السوري بغية التهويل على اللبنانيين من خلال اتهامات مستمدة من وشايات أو تقارير. ولفت الى أن الاجتماعات التي كان يعقدها وزير الداخلية مع الذين يراجعونه في توقيفات، كان يركز أصحابها على أنها لا تستند الى أحكام قضائية وإنما الى وثائق الاتصال وكتب الإخضاع، وقال إن هذا التدبير سيؤدي الى تبريد الأجواء وتسهيل مهمة الأجهزة الأمنية في ضبط الأمن ومنع الإخلال به. وسألت «الحياة» ريفي عن الآلية التي ستعتمدها الوزارة لتطبيق القرار، فأكد أنه سيطلب اليوم من المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود أن يعمم على النيابات العامة والأجهزة الأمنية والضابطة العدلية عدم توقيف أي شخص موجود اسمه على هذه اللوائح. وأكد ريفي أن وزير الدفاع سيقوم بدوره بالطلب من مديرية المخابرات عدم توقيف أي شخص ورد اسمه على «النشرة» التي تستدعي ملاحقته، وقال إن وزير الداخلية سيعمم بدوره على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام بوقف العمل ب «النشرات» التي تقضي بملاحقة الأشخاص بناء لوثائق الاتصال أو كتب الإخضاع، كما أن رئيس الحكومة سيطلب من المديرية العامة لأمن الدولة الخاضعة لسلطته مباشرة، إصدار تعميم مباشر يُعمل بموجبه فوراً. لذلك، فإن الملاحقات ستبقى - وفق ريفي- خاضعة لقرارات صادرة عن القضاء. وكانت جلسة مجلس الوزراء استمرت نحو ست ساعات وقال وزير الإعلام رمزي جريج ان سلام أكد في مستهل الجلسة «أولوية انتخاب رئيس للجمهورية نظراً إلى الانعكاس السلبي لاستمرار شغور هذا المركز على مختلف الصعد». وأشار إلى أن «المنهج المعتمد في مجلس الوزراء التوافق، غير أنه لم يعتمد للتعطيل وشلّ عمل مجلس الوزراء»، متمنياً «تجنّب التعطيل خصوصاً في الأمور العادية التي لا تنطوي على قضايا مصيرية لاميثاقية». ولفت إلى أن مجلس الوزراء «توقف عند العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وما أسفر عنه من خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات، معرباً عن استنكاره للأفعال الوحشية التي ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية في حق المدنيين العزّل، معلناً تضامنه الكامل مع الشعب الفلسطيني في صموده ومقاومته وتوقه إلى التحرّر من الاحتلال وبناء دولته المستقلة». وأعرب مجلس الوزراء عن «رفضه وشجبه الممارسات التي تجري بحق المسيحيين من أبناء العراق، وخصوصاً في الموصل، والتي تشكل نقيضاً لكل ما عرفته منطقتنا من تعايش وتسامح عبر تاريخها. واعتبر أن هذه الأعمال تصدر عن عقل ظلامي همجي، لا علاقة له بالقيم الإنسانية ولا بالأديان السماوية». ووافق مجلس الوزراء على تكليف وزير الخارجية توجيه كتابين باسم الحكومة إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، الأول يتضمن طلب مباشرة التحقيقات اللازمة توصلاً لإدانة إسرائيل بجرائم الحرب التي ترتكبها في غزة. والثاني يتضمن طلب مباشرة التحقيقات اللازمة توصلاً لإدانة المجموعات التكفيرية بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم التهجير القسري التي ترتكبها هذه المجموعات في حق المسيحيين في الموصل. واكد وزير الدفاع تماسك الجيش اللبناني، وثقة مجلس الوزراء به وتماسكه ودعمه الكامل له في مهامه لحفظ الاستقرار والأمن في لبنان. وعين مجلس الوزراء 14 عميداً لكليات الجامعة اللبنانية، وهم: كميل حبيب حبيب لكلية الحقوق، نبيل خالد الخطيب لكلية الآداب والعلوم الإنسانية، حسن كامل زين الدين لكلية العلوم، تريز فايز خطار الهاشم لكلية التربية، يوسف عبدالله كفروني لمعهد العلوم الاجتماعية، جورج بطرس صدقة لكلية الإعلام، محمد حسني الحاج لمعهد الفنون الجميلة، غسان نبيه الشلوق لكلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال، رفيق حسن يونس لكلية الهندسة، نينا فيليب سعدالله لكلية الصحة العامة، بيار يارد لكلية العلوم الطبية - الطب العام، فؤاد حسين أيوب لكلية العلوم الطبية - طب الأسنان، وفاء توفيق البواب لكلية الصيدلة، آمال سعيد أبو فياض لكلية السياحة وإدارة الفنادق، سمير مدور لكلية الزراعة، محمد ديب الحجار للمعهد الجامعي للتكنولوجيا، فواز علي العمر للمعهد العالي للدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا، طلال محمود عتريسي للمعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، طوني جورج عطالله للمعهد العالي للدكتوراه في الحقوق والعلوم السياسية والإدارية والاقتصادية، جان جرجس داود وجاسم عجاقة عضوين في مجلس الجامعة. وقال جريج إن المجلس «وافق على قيام الجامعة بإجراء عقود تفرغ مع المرشحين المقترحين من قبل وزير التربية، الذي تمنى إعادة الصلاحيات لمجلس الجامعة لإجراء عقود التفرغ في المستقبل وعلى اعتماد مبدأ المداورة الشاملة في تعيين العمداء مستقبلاً». وأشار إلى «إلغاء وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع الصادرة عن الأجهزة الأمنية حتى تاريخه. وتكليف وزراء الداخلية والدفاع والعدل إعادة النظر في الإجراءات المتعلقة بهذا الموضوع». ووافق مجلس الوزراء على استرداد مشروع القانون المتعلق بفتح اعتماد إضافي بمبلغ 1585 بليون ليرة لتغطية الرواتب والأجور وملحقاتها وتأمين الاعتمادات اللازمة للرواتب والأجور من احتياط الموازنة بجميع بنودها بعد إلغاء المبالغ المجدولة في الاحتياطي لتغذية مختلف بنود الموازنة. واعلن وزير المال علي حسن خليل في مداخلة له أنه أجرى خلال الجلسة الاتصالات اللازمة للمباشرة بدفع رواتب الموظفين قبل عيد الفطر، مشيراً إلى أن «الحل الأمثل يبقى بذهاب النواب إلى المجلس لإقرار قوانين بفتح اعتمادات إضافية على الموازنة». واعتبر انه «كون الاتفاق على إقرار القانون في المجلس النيابي لم يحصل بعد، تم تحويل كل المبالغ المتبقية في احتياط الموازنة العامة إلى البند 13 في الموازنة وهو بند الرواتب»، لافتاً إلى أن «عهده بعدم مخالفة القانون ما زال قائماً ليس على صعيد الرواتب فقط بل ربما على مختلف أمور الإنفاق في الدولة». ولدى إثارة الرئيس سلام كما في كل اجتماع للحكومة أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، شدد وزير الاتصالات بطرس حرب على انتخاب الرئيس واعلن أن «بعض الوزراء يمثلون قوى تعمل على تعطيل الانتخاب، مثلما تحاول في مجلس الوزراء فرض آليات عمل لا تستقيم في غياب الرئيس ولا تلتزم أحكام الدستور». وقال: «لا يمكننا أن نكمل في هذه المناخات لأننا سنصل إلى تعطيل العمل الحكومي. هناك أصول يحددها الدستور لعمل مجلس الوزراء، وأصول يحددها الدستور لعمل رئيس الجمهورية، ولا يمكن أن نعطي الوزير صلاحيات رئيس الجمهورية، لا بل تفوقها، إذ إن الوزير يملك صلاحيات تعطيل لا يتمتع بها الرئيس لجهة المهل». وشدد حرب على ضرورة التوافق في القضايا الأساسية التي ينص عليها الدستور، أما مصالح الدولة والمواطنين فيجري إقرارها بالأكثرية، إذ لا مبرر أبداً لتعطيلها. وغمز من محاولة متأخرة قام بها الوزير جبران باسيل للاعتراض على قرار مجلس الوزراء المتخذ بناء لاقتراحه في شأن المرسوم الخاص بالهاتف الخليوي والأرضي. وأكد أن هذا مثال على تعطيل شؤون الناس، خصوصاً أن غالبية الوزراء وافقت على القرار. وحصل تلاسن بين باسيل وحسين الحاج حسن على خلفية تعيين ستة أجراء في وزارة الصناعة، وانتهى باعتذار الأخير من الأول. فرحة المتعاقدين وكان الأساتذة المتعاقدون في الجامعة اللبنانية نفذوا اعتصاماً في ساحة رياض الصلح على وقع جلسة مجلس الوزراء تمهيداً لمعرفة مصير ملف التفرغ، وبعد نحو خمس ساعات على الجلسة والاعتصام توجه بوصعب الى المعتصمين الذين كانوا يعيشون فرحة القرار وخاطبهم قائلاً إن «اقرار ملف الجامعة بشقيه هو نصر للجامعة»، معتبراً ان «هذا العمل هو للحكومة مجتمعة ونتيجة لصبر رئيسها». وكان رئيس الجامعة عدنان السيد حسين والعمداء عقدوا اجتماعاً استثنائياً بحثوا فيه «ما تتعرض له هذه المؤسسة الوطنية الكبرى من اعتداء صارخ على استقلاليتها»، وأصدروا بياناً عبروا فيه «عن استنكارنا الواسع لمستوى التعاطي السياسي مع الجامعة من محاولة استغلال قضاياها المطلبية المحقة وتوظيفها في الاستثمار السياسي والطائفي». المشنوق: نرفض املاء واقع علينا وكان الوزير نهاد المشنوق ذكر في إفطار أقيم في الوزارة غروب أول من امس، بأن الحكومة «شكلت لحماية ما أمكن من لبنان على قاعدة ربط النزاع مع من نختلف معهم، ومحاربة الارهاب من دون مواربة». وشدد على ان «لبنان لا يحيا على التشكيك والتهديم بل على التعاون والتنافس من اجل الإصلاح الحقيقي ولا نزال نقف عند ما نختلف عليه: من السلاح غير الشرعي ودوره المرفوض في الداخل اللبناني خارج مواجهة العدو الاسرائيلي، الى مسألة القتال في سورية، وصولاً الى قناعتنا بأنه ليس هناك نظام بديل يحكم العيش الواحد خارج اتفاق الطائف. ولن نغير في موقفنا حرفاً واحداً. نسعى الى تنظيم الخلاف بيننا منعاً لانهيار الوطن». وعن تطورات طرابلس، أكد «ان أحداً منا لن يقف في وجه الدولة حين تقوم بواجبها في محاربة الارهاب وتوقيف من يجب توقيفه، ولكننا في الوقت نفسه لن نعطي بعض الاجهزة، براءة ذمة مطلقة. نتمسك بأن تتحقق أعلى درجات العدالة والمساواة في تطبيق القانون ومحاربة الإرهاب. ونرفض ان يملى علينا واقع ان في لبنان «إرهاب بسمنة وإرهاب بزيت»، وفيما اعتبر رداً على بعض انتقادات قوى 14 آذار قال: «كما أكدت في الاجتماعات مع الإخوة الزملاء في قوى 14 آذار، لن نتراجع عن اصرارنا على تصحيح الخلل في الخطة الامنية، وهذه مسؤولية تقع على عاتق كل الدولة».