المطلوب في سورية وقف القتل فوراً ومن دون شروط، أو تحديداً أقول إنني أطالب أولاً وأخيراً بوقف قتل المدنيين، فهذا أهم من النظام والمعارضة، ومَنْ يرحل ومَنْ يبقى. والأيام الأخيرة شهدت جرائم وحشية يجب أن يُعاقب مرتكبها كائناً مَنْ كان. ولا «نصر» يستحق اسمه إذا كان ثمنه أرواح السوريين. المملكة العربية السعودية وقطر ودول عربية أخرى طالبت بوقف آلة القتل، وعندما استمر قتل المتظاهرين وزاد، اقترحَت تسليح المعارضة. وفي حين أنني لا أشكك أبداً في نوايا الدول العربية التي تريد حماية المواطنين السوريين فإنني أجد أن المعركة التالية ستكون غير متكافئة بين جيش نظامي ومعارضين بأسلحة خفيفة، وأفضل منه تدخل عسكري عربي يقطع الطريق أمام أي تدخل أجنبي، خصوصاً من الولاياتالمتحدة. ربما كنت دعوت إلى تسليح المعارضة السورية لولا أنني أرصد السياسة الأميركية ساعات صحوي يوماً بعد يوم، وقد لاحظتُ أن رموز المحافظين الجدد ولوبي إسرائيل والليكوديين الأميركيين الآخرين، يدعون إلى تسليح المعارضة، ما يعني أنهم يريدون قتل المزيد من العرب والمسلمين، فقد رأينا «أفضالهم» على أفغانستان والعراق والفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم. أعلى مسؤولَيْن في وزارة الدفاع الأميركية حذّرا من التدخل العسكري في سورية وحددا الأخطار الكامنة. وكان وزير الدفاع ليون بانيتا ورئيس الأركان مارتن ديمبسي يدليان بشهادتين أمام الكونغرس، فمن عارضهما؟ السيناتور جون ماكين والسيناتور ليندسي غراهام، وهما من صقور مجلس الشيوخ، طالبا بتسليح المعارضة، ومعهما السيناتور جو ليبرمان، وهو «مستقل» الآن، إلا أنه يمثل إسرائيل في مجلس الشيوخ. والأعضاء الثلاثة هؤلاء أيدوا كل حرب على العرب والمسلمين. والأميركيون يعتبرون ماكين خبيراً عسكرياً ومن أبطال حرب فيتنام، مع أن كل خبرته أنه سقط أسيراً ولم ينتصر في معركة أو في الحرب. شخصياً يكفيني أن أرى الليكودي إيليوت أبرامز يؤيد موقفاً في الشرق الأوسط ويدعو الإدارة في واشنطن للالتزام به، لآخذ موقفاً معارضاً، فهذا الرجل المُدان في المحاكم الأميركية سعى إلى الحرب على العراق، لأسباب ملفّقة عمداً، ويعمل لإسرائيل وحدها داخل الإدارة وخارجها. أبرامز كتب في «ويكلي ستاندارد» الناطقة بلسان المحافظين الجدد، وفي مواقع ليكودية أخرى، والمطبوعة نفسها نشرت مقالات مماثلة، بينها اقتراح ليكودي آخر هو لي سميث، الإصغاء إلى نصح ماكين. ما يعني رفض نصح سميث وماكين. وداعية الحرب الآخر ماكس بوت انتقد في «واشنطن بوست» قبل يومين حذر البنتاغون من التدخل في سورية، وهو كان طالب قبل ذلك في مطبوعة اليهود الأميركيين «كومنتري»، واشنطن بتأييد المعارضة السورية من دون أن ينسى وجوب الحذر في توزيع السلاح على المعارضين حتى لا يُستعمل ضد إسرائيل، فهي عنده أهم من أرواح الشباب الأميركيين الذين قتلوا في حروب بوش الفاشلة. وقرأت العنوان عن تسليح المعارضة السورية بأشكال مختلفة مثل «سلّحوا الجيش الحر السوري الآن»، وهذا رأي ديفيد شانكر كما نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المؤيد لإسرائيل ثم «ويكلي ستاندارد». وأيضاً «لماذا يجب أن يستعد العالم لتسليح الثوار السوريين» كما قال ديفيد رود في مطبوعة «ذي أتلانتك»، ومثله الليكودي الهوى روجر كوهن في «نيويورك تايمز» تحت العنوان «سلّحوا الثوار السوريين». بين أحقر ما قرأت مقالان كتبهما أندرو مكارثي ونشرتهما «ناشونال ريفيو» وهي مطبوعة ليكودية أخرى. والمقالان ضمّا الفكرة نفسها، وهي أن التدخل الأميركي في بلادنا لم يؤتِ ثماره المطلوبة التي يزعم أنها الحرية وأقول إنها فرض هيمنة إسرائيلية علينا، لذلك فهو يقترح أن يُترك النظام السوري والمعارضة ليقتتلا ويقتلا موالين ومعارضين، فمن المؤسف، وفق قوله، أن واحداً من الطرفين سينتصر، وهذا كان تعليق هنري كيسنجر على الحرب بين العراق وإيران ورغبته أن يخسر الطرفان. أزيد على سبيل الموضوعية والإنصاف أن أمامي مقالات عدة لأميركيين معتدلين في مطبوعات أميركية تعارض التدخل العسكري الأميركي في سورية أو تسليح المعارضين. غير أنني أتجاوز هؤلاء لأقول عن نفسي إنني عارضت تسليح المعارضة السورية في البداية خوفاً من زيادة القتل، وأعارضها في النهاية لأن دعاة كل حرب على العرب والمسلمين يؤيدونها. [email protected]