أين كانت كل هذه المنظمات الإنسانية السودانية طيلة سنوات النزوح لأهل دارفور؟ فجأة، وبمجرد صدور أمر القبض على الرئيس السوداني، ظهرت أكثر من 800 منظمة إنسانية سودانية بحسب ما ظل يكرره أقطاب المؤتمر الوطني الذين صرح أحدهم بأن هناك 200 منظمة إنسانية سودانية جاهزة للحلول مكان المنظمات المطرودة، ثم زاد العدد بتوالٍ هندسي فصارت 800 منظمة! وليست المنظمات وحدها التي ولدت كرد فعل على مذكرة التوقيف، بل ان التلفزيون السوداني صار يعرض كل يوم أنباء عن مشاريع هنا وهناك في الشرق والغرب والجنوب والشمال والوسط، بعضها لا يزال خططاً في رحم الغيب وبعضها تم افتتاحه وهو لم يكتمل بعد! أكُل هذا فقط لمجرد مذكرة توقيف؟ هل هذا يعني أنه لو تم الحكم عليه سنرى مزيداً من «الإنجازات» و «المنظمات» كرد فعل هستيري آخر؟ وبدل أن تستر الحكومة نفسها ويستر المسؤولون أنفسهم فيغطون فضيحة كونهم يملكون كل هذه المنظمات الإنسانية طيلة هذه الأعوام الستة العجاف التي عانى منها أهلنا في دارفور في المعسكرات ولا يزالون، بدل أن يتواروا خجلاً من تشدقهم بهذا الكم الهائل من المنظمات، أثبتوا للعالم أجمع ولأهل دارفور أنهم لا يبالون ان مات أهل دارفور جميعاً جوعاً ومرضاً وبرداً. ولولا هذه المنظمات الأجنبية التي طردوها اليوم، لما بقي من النازحين وحتى الذين لم ينزحوا، أحد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فقد سخر الله لأهلنا وقيض لهم هؤلاء الأجانب الذين هم أرحم بهم ممن يدعون زوراً وبهتاناً أنهم أهلهم يجمعهم وطن واحد «يسع الجميع». الآن انكشف لأهلنا في دارفور أن حكومتهم بكشفها عن إمكانية مد العون لهم وهي تملك كل هذه المنظمات ولم تفعل، قد أثبتت لهم أنها ربما فعلاً تود ابادتهم كما يدعي المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية. وهم، أي أهل دارفور، أيضاً يعتبون على «أشقائهم» من بعض الدول العربية التي سجلت غياباً تاماً عن مسرح الأحداث، ولكنها تقاطرت الى الخرطوم فور صدور قرار مجلس الأمن بإحالة الأمر الى المحكمة الدولية وازداد الحراك العربي الإسلامي بعد صدور مذكرة القبض ولم يسأل أحد منهم إذا كانت اتهامات المحكمة صحيحة أم لا؟ ولم يتكلفوا البتة بأن يذهبوا الى النازحين أو حتى الى دارفور مسرح الجرائم المزعومة. بقي أن تعلم هذه المنظمات الإنسانية السودانية أنه سبق أن قذف النازحون بالحجارة زواراً من بعض الدول العربية ومندوبين يمثلون منظمات إسلامية، ذلك أنهم يعتبرونهم متخاذلين ومتقاعسين لنجدتهم ومد يد العون لهم عندما كانوا في أمسّ الحاجة الى عونهم وهم الذين تربطهم بهم عقيدة هي مرجع الإنسانية وتدعو الى أن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ولكنهم شعروا بالخذلان ولم يجدوا من يواسيهم ويمد لهم يد العون ويأتي اليهم بالدواء والغذاء والكساء والمأوى غير جمعية الهلال الأحمر السعودي والإماراتي وهذه المنظمات الأجنبية التي تطردها الآن حكومة السودان.