ربما كانت الصدفة وحدها هي التي جعلت الدوحة المكان الذي تقام فيه الدورة الأولى لمهرجان أفلام دول مجلس التعاون، لكنها بالتأكيد صدفة تبدو في مكانها وزمانها، مبرّرة إلى أبعد الحدود، فإذا كانت قطر، ولأسباب غير واضحة، تبدو آخر الوافدين الخليجيين الى عالم الفن السابع ومهرجاناته، تالية لدبيّ وابو ظبي، وطبعاً الكويت والبحرين، وربما عمان أيضاً، فإن قطر تبدو اليوم وكأنها تحرق المراحل في سباق سينمائي محموم مع الزمن، فمن مهرجان ترابيكا الدوحة السينمائي، الى الجناح المميّز في مهرجان «كان» عاماً بعد عام، الى «مؤسسة الدوحة للأفلام»، مروراً بالإنفاق على واحد من أضخم الأفلام الأوروبية لهذا العام –»الذهب الأسود» لجان جاك آنّو-، وبإنشاء اول مدرسة لتعليم فنون السينما –والتلفزيون– في الخليج، ناهيك بما كان تمكن ملاحظته بسهولة في عناوين عدد لا بأس به من الأفلام التي شاركت، روائيّة او وثائقيّة، في الدورة الأولى لمهرجان دول التعاون، حيث بدت إسهامات مهرجان الدوحة ترابيكا واضحة، تؤكد ما بات معروفاً منذ حين من ان الدوحة تكاد في مجال دعم السينما والسينمائيين العرب تلعب دوراً كانت فرنسا وهولندا والقناة الرابعة الإنكليزية تلعبه مجتمعة قبل عقود... من هذا الى ذاك، يتجلّى إذاً هذا الاهتمام القطري المتجدد بالسينما. يتجلى ويدهش، بل يبدو أشبه بتحدٍّ نبت واستتب كالفطر. غير ان مشاهدة الفيلم القصير الذي حققه المخرج القطري الشاب حافظ علي علي عن سيناريو وفكرة للكاتب المصري المعروف عبد الرحمن محسن (صاحب سيناريو «زمن حاتم زهران» بين أعمال مميزة اخرى في السينما المصرية)، بعنوان «عبق الظلال»، مشاهدة هذا الفيلم سوف تقول لنا بسرعة إن هذه «الهجمة» القطرية على السينما والسعي الى المساهمة، مادياً ومعنوياً في سبيل وجودها قطرياً وخليجياً ودعمها عالمياً، ليست بالواقع الطارئ على تاريخ قطر الحديث. فالحال ان هذا الفيلم اللافت والمشغول بطريقة حرفية يحمل متعة الفرجة وفائدة المعرفة في آن معاً، تكشف لنا من طريق الوثيقة التاريخية واللقاءات مع المعنيين بتاريخ العرض السينمائي والسينما إجمالاً في هذا البلد، ان الفن السابع كان حالة شعبية وثقافية في قطر منذ ما يزيد عن نصف قرن، وكان الاهتمام يتجلى في عروض صاخبة تصحبها نقاشات لأفلام مصرية (توقف الفيلم من بينها عند نماذج مميزة، مثل «باب الحديد» و «عنتر بن شداد» لنيازي مصطفى و «المماليك») ولقد قال لنا الفيلم في سياقه وفي غمرة استعراضه تاريخ الصالات في الدوحة، إن أسئلة كانت تثار دائماً من حول عدم وجود امكانيات لتحقيق سينما محلية او خليجية... والحقيقة ان هذه التساؤلات تكثفت في الحقبة نفسها التي يقول واحد من محبي السينما الذين استجوبهم الفيلم، إن السينما بدأت تنتقل في قطر من مجرد عروض ينظر اليها كجزء من الشعوذة، الى عروض ينظر اليها بجدية كونها واحداً من الفنون الأكثر جمالاً. ومن الواضح اليوم أنه إذا كانت الدوحة قد انطلقت قبل سنوات قليلة لتأسيس حلم سينمائي ما، تجسّد بشكل خاص وفعال بمؤسسة الدوحة للأفلام التي ترأسها الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة (امير قطر) -ولهذا الأمر دلالة فائقة لا تخفى على احد وتعكس الاهتمام القطري الرسمي المدهش بالفن السابع-، فإن لا بد لنا من ان نرى جذور هذا الحلم، ليس في اتباع «موضة خليجية ما»، على خطى دبيّ وابو ظبي فقط، بل في الاستناد الى ذلك الحلم القديم الذي يطالعنا في ثنايا فيلم «عبق الظلال». وإزاء هذا الواقع، هل سيكون -على سبيل المثال لا الحصر- الفشلُ النسبي الذي كان من نصيب أول انتاجات قطر في السينما العالمية، ونعني بذلك فيلم «الذهب الأسود»، سداً في وجه المستقبل، أم سيكون حافزاً على التعاطي مع المسألة السينمائية بجدية اكبر وانتقائية مدروسة؟