حان وقت إعادة تقويم البرنامج النووي الإيراني. فالظروف الحالية مواتية لفتح صفحة جديدة من المحادثات مع الغرب، وثمة اتجاهان في الدول الغربية إزاء مقاربة الملف الإيراني، الأول يدعو إلى الخيار العسكري للحؤول دون اقتراب طهران من حيازة السلاح النووي. فإذا اجتازت العتبة هذه، خلا وفاض الغرب من إجراءات رادعة. ويؤيد هذا الاتجاه عدد من الشخصيات والأحزاب اليمينية المحافظة في إسرائيل من أمثال بنيامين نتانياهو وأفيغدور ليبرمان وعدد من الزعماء الأميركيين في الحزب الجمهوري، ومنهم ميت رومني، والأحزاب اليمينية المحافظة في أوروبا. هؤلاء يُجمِعون علي ضرورة الإسراع في ضرب المواقع النووية الإيرانية قبل فوات الأوان. في المقابل، ثمة تيار معتدل وعقلاني يرى أن الخيار العسكري لن يثني إيران عن تطوير برنامجها النووي، بل يفاقم تأزم الأوضاع في المنطقة. ويؤيد هذا الاتجاه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وعدد من الشخصيات اليسارية والليبرالية في إسرائيل، وعدد من أعضاء حزب العمال البريطاني ومن الاشتراكيين والليبراليين في فرنسا. وإلى اليوم، لم تغلب بَعد كفة اتجاه على آخر. وإذا افترضنا أن الهجوم دمر المنشآت النووية في نتانز وفردو، يسع طهران أن تبدأ من الصفر لاستئناف برنامجها النووي. فهي حازت تكنولوجيا صنع أجهزة تخصيب اليورانيوم. وثمة من يرى أن علينا ألا نغالي في التعويل على عدم رغبة الدول الغربية في اللجوء إلى ضربة عسكرية. ففي الأعوام الثلاثة السابقة، بدا أن خيار الحرب هو الراجح لدى الغرب، وبدأت الكفة تميل إلى الدول التي تريد الحرب علي إيران. وعلى رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اضطر إلى تأجيل الضربة العسكرية قبل ثلاثة أعوام علي سبيل المثال، فهو يدعو إليها اليوم ويعارض بشدة موقف الرئيس الأميركي. لكنه تراجع عن موقفه في مقابل الحصول علي عقود تسلح مغرية. في الأعوام الماضية، كانت الدول المؤيدة للحرب على إيران قليلة، لكن عددها ارتفع مع مرور الوقت. وإذا كان صحيحاً أن طهران قادرة علي بناء برنا مجها النووي بعد اشهر من الضربة العسكرية، وتستطيع أن تهدد إسرائيل بصواريخها من طريق «حزب الله» في لبنان، وأن تهدد القواعد العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان وقطر، يسعها كذلك أن تضرب السفن والقطع البحرية في الخليج لأنها (إيران) ليست العراق أو أفغانستان، وتستطيع أن تقوِّض مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل في المنطقة، وتستفيد من الاصطفاف إلى جانبها إثر الضربة الجوية. إذا كان ما تقدم مصيباً، فالصحيح كذلك أن أميركا لن ترسل قوات برية إلى الأراضي الإيرانية، بل ستطلق مئات من صواريخ «كروز» المنصوبة علي سفنها لضرب المنشآت الصناعية والبنى التحتية الإيرانية. وتستطيع خلال ساعات قليلة ضرب البنى التحتية مثل محطات الطاقة والمؤسسات الصناعية والمعامل والسدود من غير الدخول في مواجهة مباشرة مع الشعب الإيراني. فتبقى طهران سنوات طويلة عاجزة عن إعادة بناء ما تدمره هذه الصواريخ. بالتالي، لن يرقى الرد الإيراني إلى مستوى الهجوم الأميركي، وستكون إيران هي الخاسر جراء دمار البنى التحتية. المحادثات المقبلة هي فرصة قد تحقق الطموحات الإيرانية، وتبدد القلق الغربي. فطهران لا ترغب في إنتاج السلاح النووي، وتتحاشى الدول الغربية معارضة رغبتها في حيازة الطاقة النووية. لذلك، تبرز الحاجة إلى الإجماع على نقاط التوافق. ويمكن مد جسور الثقة بين الجانبين من طريق وسيط نزيه مثل تركيا وروسيا والبرازيل علي سبيل المثل، وإحدي الدول الأوروبية القريبة من إيران مثل إسبانيا أو إيطاليا، للتوصل إلى صيغة تبدد القلق الغربي وترسي أسس نشاطات التخصيب بمراقبة وإشراف دوليين للتأكد من عدم انحراف البرنامج الإيراني عن طابعه المدني. وفي مثل هذه الحال، يسع إيران توسل التكنولوجيا الغربية في برنامجها، فالدول الغربية لا تعارض حيازتها الطاقة النووية المدنية، بل هي تشك في نياتها العسكرية الذرية. تعزيز الثقة بين الجانبين يستميل الدول الغربية ويعيد الملف النووي الإيراني إلى حجمه. * محلل ومعلّق، عن «ديبلوماسي إيراني» الإيرانية، 11/3/2012، إعداد محمد صالح صدقيان