لندن - «الحياة»، رويترز - قال مسؤلون اميركيون لصحيفة «واشنطن بوست» الاميركية، إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وحلفاءها وشركاءها الدوليين، بدأوا «نقاشات جديّة» بشأن تدخل عسكري محتمل في سورية، رغم «مواصلتهم الضغط من أجل حلول غير عنيفة للأزمة». ولفتت «واشنطن بوست» امس، إلى أنه «مع التقدم القليل الذي أحرز خلال الأسبوعين الفائتين منذ أن تعهّدت 70 دولة ومؤسسة دولية مؤتمر أصدقاء سورية في تونس بتركيز جهودها على الجوانب الإنسانية والدبلوماسية في سورية، هناك استعداد متزايد للنظر في خيارات إضافية أخرى». ونقلت الصحيفة عن مسؤولين من الولاياتالمتحدة ودول غربية أخرى، قولهم إن «هذه الخيارات تتضمن تسليحاً مباشراً لقوى المعارضة السورية وإرسال قوات لتأمين ممر إنساني أو منطقة آمنة للمعارضين، أو شن هجوم جوي على أنظمة الدفاع الجوي السوري». غير ان الصحيفة اوضحت أن «الحكومات لا تزال منقسمة بعمق بشأن إطار أي تدخل عسكري في سورية وموعد حدوثه وكيفيته، والدول التي ستشارك فيه، مع مواصلة روسيا معارضتها تفويضاً من الأممالمتحدة وتساؤل كثيرين عن شرعية أي خيارات عسكرية وفقاً للقانون الدولي»، وهو موقف الصين نفسه. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن «إستراتيجيتهم تواصل التركيز على المساعدات الإنسانية وتنظيم المعارضة السورية، لكن الآمال تتضاءل بأن تظهر المعارضة جبهة موحّدة كافية لتسهيل اعتراف دولي، كما حصل في ليبيا، أو أن يقتنع الأسد بالتنحي»، لافتة إلى أنه «بالرغم من إبداء قطر والسعودية استعدادهما لتسليح المعارضة في سورية، إلا أن دولاً أخرى تعرب عن القلق بشأن تماسك هذه المعارضة ونواياها». ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وغيرهم في المنطقة تأكيدهم أن «واشنطن مستعدة لتقديم معدات الاتصال والاستخبارات في جهد يهدف لتسليح المعارضة السورية». ومع ارتفاع أعداد القتلى كل يوم تتزايد الدعوات إلى التدخل الخارجي لكن في «ظل الافتقار إلى الخيارات السهلة»، تجد القوى الكبرى نفسها عاجزة عن وقف المعاناة قد تجد نفسها في نهاية الأمر تطيل أمدها. ودعا السناتور الجمهوري والمرشح السابق للرئاسة الأميركية جون مكين إلى توجيه ضربات جوية بقيادة الولاياتالمتحدة لتقويض حكم الرئيس بشار الأسد. لكن هناك الكثير من التساؤلات حول امكانية نجاح الخيار العسكري، وإمكانية تأثيره على اندلاع حرب أهلية في سورية. وقالت علياء إبراهيمي الباحثة في شؤون الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد: «كلما طال أمد حملة الأسد المروعة زاد احتمال تحول حرب النظام ضد المدنيين إلى حرب أهلية». وأضافت: «هناك مخاطر من انتشار هذا الصراع الدموي ليزعزع استقرار المنطقة لجيل كامل. هذا لأن سياسات القوى العظمى ستتواءم مع الخصومات في المنطقة، والتي ترتكز على الخصومات الطائفية... بمعنى أن نظام الأسد يهدد المنطقة بأسرها». وفي حالة ليبيا، انضمت فرنسا إلى دول عربية في ترتيب عمليات إسقاط اسلحة للمعارضة، بينما تبدو القوى الغربية مترددة في الذهاب إلى هذا الحد في سورية رغم أنها تبدو مستعدة لغض الطرف عن شحنات أسلحة للمعارضين على أمل انهيار نظام الأسد تدريجياً. وربما يحدث هذا لكن البعض يحذر من أن مثل هذا الترقيع من الخارج يمكن أن ينتهي به الأمر إلى زيادة الأمر سوءاً. وقال البريغادير السابق بالجيش البريطاني بنجامين باري، المتخصص في شؤون القوات البرية في معهد لندن الدولي للدراسات الاستراتيجية: «هذا محتمل تماماً». وأضاف باري، الذي شارك في قوات حفظ السلام في حروب البلقان في التسعينات: «الحروب الأهلية تطور آلياتها الداخلية. كلما طال أمدها زادت الخلافات مرارة وزادت مخاطر ارتكاب جرائم حرب من الطرفين». وتقول المعارضة إنها كسبت تأييد بعض العلويين وتنجح بشكل متزايد في جذب منشقين عن الجيش، لكن من الواضح انها تواجه صعوبات. ودافع وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا ورئيس الاركان الأميركية المشتركة مارتن ديمبسي هذا الأسبوع، عن نهجهما الحذر، لكنهما قالا إنه بناء على تعليمات من البيت الأبيض يتم إجراء بعض التخطيط الأساسي الأولي بشأن الخيارات العسكرية. وقالت تركيا وتونس إنهما تعارضان التدخل الخارجي. أما الدول الغربية، فقدرتها محدودة على التصرف بمفردها حتى إذا توافرت الإرادة لذلك في ظل الأعباء المالية والعسكرية الهائلة التي ينوء بها كاهلها. وفي حالة تدخل بقيادة الجامعة العربية أو تركيا ربما بإقامة منطقة أمنية حدودية للاجئين يمكن أن يتاح خيار أمام البلدان الغربية للقيام بضربات جوية، بل وتقديم دعم بري في بعض الأحيان. وقال الليفتنانت جنرال البريطاني جرايم لام المدير السابق للقوات الخاصة الذي عمل عن قرب مع القادة العسكريين الأميركيين في العراق وافغانستان، إنه عقب سقوط حمص، فإن الفرصة الرئيسية هي القيام تدريجياً ببناء قدرات قوات المعارضة، والأهم من ذلك تعزيز شرعيتها وسمعتها وقيادتها. وبعد ظهور قيادة أكثر جدارة بالثقة، هناك متطلبات متوقعة تشمل أسلحة مضادة للدبابات وتعليمات بشأن بناء معوقات بسيطة، مثل تلك التي منعت دبابات القذافي من دخول مراكز بلدات مثل مصراتة. لكن بعد ما حدث من عمليات قتل في حمص، ربما يتردد المتمردون في المخاطرة بمحاولة السيطرة على أراض ويعودون إلى أساليب أخرى للتمرد. وربما تود القوى الغربية في تكرار نجاح استراتيجية العقوبات في ليبيا من خلال حرمان دمشق من الأسلحة وعوائد النفط والمنتجات النفطية المكررة التي تدير بها عرباتها العسكرية. غير أن مثل هذا النجاح سيكون شبه مستحيل من دون دعم روسيا التي تواصل تزويد الحكومة السورية بالسلاح والوقود. وتقول بعض منظمات حقوق الانسان، إنها تريد أن يتم فعل اي شيء يقلص أعمال القتل ويخفف الضغط عن المدنيين حتى ولو عودة بعثة المراقبة التابعة للجامعة العربية، وهي المهمة التي واجهت انتقادات شديدة. وبينما شكت المعارضة من أنها لم تفعل شيئاً يذكر لوقف هجمات القناصة على المدنيين، تقول منظمات مدافعة عن حقوق الانسان إن أعمال القتل تراجعت أثناء وجود المراقبين في سورية. وتحدثت تركيا العام الماضي عن إقامة «مناطق آمنة لأغراض إنسانية» لكن هذا الحديث توارى إلى حد بعيد الآن، ربما بفعل إدراك أن مثل هذا العمل سيتطلب على الأرجح نشر أعداد كبيرة من القوات التركية. ويتساءل البعض عن إمكانية عودة طرح هذا الخيار على الطاولة إذا بدأ تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين من سورية، على الأقل لتوفير سبيل لإبقاء اللاجئين خارج حدود تركيا. غير أنه حتى هذا لن يفعل شيئاً يذكر لحقن الدماء داخل سورية. وقال ديف هارتويل محلل شؤون الشرق الأوسط لدى إي. أتش. أس جينز: «أحد اسباب إعادة طرح الحديث بشأن الضربات الجوية على الطاولة، هو أنه لا أحد يرى في الحقيقة أي خيارات أخرى في الوقت الحالي، لكن هذا لا يعني أنها جميعاً محتملة». واضاف أنه في ظل عمل قوات الأسد داخل مناطق مدنية، من المحتمل أن تصيب أي ضربات جوية أهدافاً رمزية إلى حد كبير، مثل مراكز القيادة والتحكم والقصور، وهو ما لن يغير شيئاً على الأرض على الأرجح. وقال جوليان بارنيس داسي، محلل شؤون الشرق الأوسط لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «الحقيقة هي أن الخيارات بشأن السياسية محدودة للغاية، لكن ينبغي ألاّ يكون هذا عذراً لتبرير اتخاذ خيارات سيئة. هناك خطر من أن تقفز حكومات إلى قرارات تتسبب في تفاقم الوضع لمجرد أن ينظر إليها على أنها تفعل شيئاً. أرى أنه يجب أن يكون هناك حل سياسي... حل يتطلب بعض الحوار مع مسؤولين من داخل النظام... لكن هذا لن يكون ممكناً إلا بعد التوصل إلى توافق دولي».