دخلت المدارس اليمنية على خط ما بات يعرف بثورة المؤسسات والتي تستهدف تغيير قيادات متهمة بالفساد، في خطوة يأمل البعض بأن تؤسس لثورة وردية تنهض على الممكن والجزئي بدلاً من الشكل الكلي الصاخب الذي أخفق في أحداث تغيير يرقى إلى مستوى التضحيات التي بذلت في الربيع اليمني. وعلى رغم تشكيل حكومة وفاق وطني وفقاً للاتفاق السياسي الذي أفضت إليه الحركة الاحتجاجية التي استمرت نحو عام، يبقى أن انتفاضات طلاب الثانويات اليمنية المطالبة بتغيير قيادات تعليمية متهمة بالفساد مستمرة وهي تفيض بتحولات غير منظورة. ويرشح من الانتفاضات الطالبية ضد إدارات المؤسسات التعليمية احتمال أن تؤدي، وإن على المدى البعيد، إلى خلخلة ثقافة طاعة ولي الأمر التي يعتبرها باحثون أساس الاستبداد الاجتماعي والفكري وعائقاً رئيساً أمام تبلور ثقافة الديموقراطية وحقوق الإنسان. وصحيح أن دوافع حزبية وقفت وراء الانتفاضات التي باتت تشعل المدارس، لكن الصحيح أيضاً أنها ترقى لأن تكون الدرس الديموقراطي الأهم في حياة الشبيبة اليمنية في مجتمع تراتبي يبدي طاعة عمياء للنموذج الأبوي البطريركي ومثاله الشائع «من علمني حرفاً صرت له عبداً». وانقسمت طالبات «مدرسة أسماء» الثانوية في مدينة تعز ما بين مؤيدة ومعارضة بعدما تمكنت إدارة المدرسة، وبمساعدة مسلحين مناصرين للمديرة، من إعادة فتح المدرسة وامتنعت الطالبات المعارضات من دخول الامتحان ومعهن بعض المعلمات أيضاً. وأدت الانتفاضات التي شهدتها صنعاء وتعز إلى صدامات واحتجاز طلاب وطالبات. وأفيد بأن طالبة في «مدرسة أسماء» أصيبت في اعتداء من قبل عناصر يتبعون مديرة المدرسة التي يقول خصومها إنها تدير المدرسة منذ ثلاثة عقود اعتماداً على دعم أشخاص نافذين حالوا دون تغييرها على رغم اتهامها في قضايا فساد، وفق ما يقول المطالبون بإقالتها. وأطلقت طالبات المدرسة حملة على موقعي «فايسبوك» و «يوتيوب» تستهدف تغيير المديرة. وكان عدد من مدارس البنين والبنات شهد بدءاً من نهاية العام الماضي «انتفاضات» ضد الإدارات، ما أدى إلى إغلاق البعض منها كلياً أو جزئياً. ويقول مسؤولون في «حزب المؤتمر الشعبي» الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إن انتفاضات المدارس موجهة وتقف وراءها أحزاب اللقاء المشترك وتستهدف في شكل خاص عناصر المؤتمر. وكانت المؤسسات التعليمية بقيت على مدى نصف قرن معقلاً للصراعات الحزبية والأيديولوجية في وقت يجثم الفساد على هذه المؤسسات بمختلف مستوياتها. وإضافة إلى ظاهرة الإتاوات المفروضة على الطلاب والطالبات في شكل غير قانوني ينتشر بيع الشهادات والترقية وفقاً لعوامل حزبية وقرابية وعشائرية. ويشيع في اليمن قبض مدرسين مرتباتهم فيما هم يعملون في أعمال خاصة أو يكونون مهاجرين أصلاً في دول الجوار. وصار أمراً مألوفاً اتفاق معلمين مع مديري مدارس ليتفرغوا لأعمال خاصة مقابل حصول المدير على نسبة من الراتب. وبات بعض المدارس والمراكز التعليمية أشبه بإقطاعيات خاصة أو ثكنات حزبية. فهناك من أمضى في المنصب الإداري الفترة التي أمضاها الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الرئاسة وربما أكثر، فيما لا يزال قانون التدوير الوظيفي حبراً على ورق. وعلى رغم الآمال التي أثارها لدى البعض تعيين وزير للتربية والتعليم ينتمي إلى صفوف الثورة، بيد أن لا جديد طرأ حتى الآن على مشهد التعليم، سواء لجهة تحديث النظام التعليمي أم لجهة مكافحة فساد مؤسساته أو حتى إعلان قرار في هذا الشأن يثبت على الأقل حسن النيات.