نظّمت شعبة الجيولوجيا في «نقابة العلميين» المصرية أعمال «المُلتقى الدولي الرابع لاقتصاديات المناجم والمحاجر في الوطن العربي» (إيكومينكس 2012) في القاهرة أخيراً. وشارك فيه خبراء وجامعات ومنظمات الدولية وإقليمية ومحلية ومراكز بحوث ومؤسسات صناعية، جاؤوا من 15 دولة عربية. وسعى الملتقى إلى عرض الثروات القابلة للاستثمار في العالم العربي، وكيفية تجهيز خامات المناجم والمحاجر في المنطقة العربية وتصنيعها وتصديرها، والتعرف الى متغيرات السوق العالمية للخامات، كما بحث في إمكان اقامة تجمع اقتصادي عربي أسوة بتكتلات عالمية مُماثلة. وعلى هامش المؤتمر، نُظّم معرض لكبرى الشركات الأجنبية والعربية العاملة في هذا المجال. بحوث الجيولوجيا والرمال السود شدّد المشاركون في هذا الملتقى على ضرورة التنسيق بين علماء الجيولوجيا العرب لبناء قاعدة بيانات علمية عن الثروة التعدينية ومصادرها الطبيعية عربياً، وكذلك التخطيط لبرنامج اقتصادي تعاوني عربي. ودعوا الى التنسيق بين بحوث الجيولوجيا واستثمارات التعدين، بدلاً من الاقتصار على تصدير الخامات الأولية. وأوصى المشاركون بوضع خريطة استراتيجية للتعدين في الوطن العربي تستهدف التنمية المستدامة والحفاظ على حق الأجيال المقبلة في هذه الثروات، وعدم الاستمرار في سياسة الانتفاع القصير المدى. وعرض الدكتور إبراهيم هاشم زيدان، مدرس الجيولوجيا في «هيئة المواد النووية» في مصر، مشروعاً لإنشاء مدينة تعدينية-زراعية-سياحية متكاملة في منطقة «أبو طرطور» في الوادي الجديد في جنوب البلاد. وتوقع أن تساهم هذه المدينة في زيادة الدخل القومي، وتوفر آلاف فرص العمل للشباب. وتتكامل المدينة مع إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، وتستند إلى استثمار طبقات الفوسفات في منطقة «أبو طرطور» المُغطّاة بطبقة من الحجر الجيري الهش والصلب بسمك 200 متر. وأوضح زيدان أنه «يمكننا الوصول إلى طبقة الفوسفات على سطح الأرض من دون الحاجة إلى الأنفاق التي لا تتناسب وطبيعة الخام، الأمر الذي يوفر كثيراً من الكلفة». وأشار إلى أن ذلك يضاعف الإنتاج إلى 10 ملايين طن سنوياً. وذكر بفشل المشاريع التي أعدتها هيئة الثروة المعدنية المصرية لمصنع فوسفات «أبو طرطور» عام 1977 لرفع الإنتاج السنوي إلى 5 ملايين طن، في تحقيق هذا الهدف، معتبراً إياها السبب وراء الأزمة التي يعانيها المصنع حالياً. وأكّد أيضاً أنها كبّدت الدولة 13 بليون جنيه في تسعينات القرن الماضي. وأوضح زيدان أن مقومات نجاح هذه الصناعات في منطقة «أبو طرطور» تعتمد على البنية التحتية في المنطقة، إضافة إلى وجود 13 بئراً للمياه الجوفية الصالحة للشرب والزراعة والصناعة، وأراض خصبة تصلح للزراعة وبخاصة النباتات الطبية والعطرية. استثمار سيناء في سياق متّصل، عرض خبير التعدين الدكتور حمدي سيف النصر مشروع الرمال السود. وأوضح أنه بين عامي 2000 و2003، أجرت هيئة المواد النووية دراسة استكشافية شاملة لمناطق الرمال السود على طول ساحل البحر المتوسط، مع دراسة جدوى اقتصادية مبدئية لكثبان هذه الرمال في البُرُلّس (شمال مصر). وكشف أن هذه الدراسة أكّدت وجود مصادر تعدينية في الرمال السود تقدر بقرابة 314 مليون طن. وذكر أن هذه الخامات يمكن استغلالها بمعدل 15 مليون طن سنوياً لمدة تزيد على 20 سنة، مُشيراً إلى تشكيل لجنة وزارية تتولى المشروع عبر إنشاء شركة وطنية له. وأضاف: «بعد سلسلة من الإجراءات، وعرض دفتر شروط وضعته شركة دولية في مجال تعدين الرمال السود، طُرِح الاستثمار في المزاد لأعلى سعر للمتر المكعب. ولم تتقدم سوى شركة عالمية تعد ثالث عملاق لمعدن ال «تيتانيوم» عالمياً. ثم تجمّد المشروع. وفي العام الماضي، أوصى مجلس الوزراء بإعادة طرح المشروع، مع إفساح المجال لمستثمرين محليين. وأوضح سيف النصر أن هذا الطرح اعتمد على المعايير الدولية، لكنه أضاف إليها أن يتولى المستثمر إنشاء حائط صخري على الساحل لوقاية البحر، وتسليم المعادن المُشعّة إلى «هيئة المواد النووية». وخلص الى القول ان المشروع يشمل ساحلاً مساحته مليون متر مربع سنوياً ومدعم بحماية تامة للشاطئ ومهيأ للاستثمار سياحياً وصناعياً وعقارياً. في المُلتقى عينه، عرض الجيولوجي سامي قطب عطية تقنية للاستفادة من الجبس في صحراء سيناء، موضحاً وجوده بكميات كبيرة في جنوبسيناء بين منطقة «حمام فرعون» و «صدر الحيطان». وقدّر الاحتياطي المؤكد في هذه المنطقة بقرابة 200 مليون طن من الجبس الذي تتراوح جودته بين 91 في المئة إلى 97 في المئة من كبريتات الكالسيوم المائية، ما يجعله من أجود أنواع الجبس عالمياً. وأشار الى الاتجاه للاستفادة من التقنية العالمية في صناعة الجبس مع وجود أربعة مصانع ل «كَلْسَنَة» الجبس في المنطقة، ما يجعله صالحاً لاستخدامات متنوّعة، تشمل السماد والدهانات وصناعة الزجاج وحفر آبار النفط، إضافة الى إمكان استخدامه عمليات النحت وتصميم التماثيل. وفي سياق مماثل، قدّمت دراسة مشتركة بين الباحثة أحلام رمضان من «مركز البحوث الصناعية في ليبيا» والباحث سليمان أبو غرغرة من كلية الهندسة في «جامعة الفاتح»، عن تقدير الاحتياطي في المحاجر، وطُرُق تصميم محجر افتراضي باستخدام نُظُم المعلومات الرقمية. ويتطلب صنع نماذج المحاكاة الافتراضية للمحجر تجميع معلومات تتضمّن كمية الاحتياطي المتوقع فيه. وطبّق الباحثان هذاا الأسلوب في منطقة «سوق الخميس» في شمال غربي ليبيا. ورسما مقاطع جيولوجية طولية وعرضية، أوصلت الى استنتاج بوجود آبار إضافية في المنطقة. وقدّم الدكتور ممدوح عبد الغفور والدكتور محمود أحمد من «هيئة المواد النووية» في مصر دراسة عن الأقاليم الجيولوجية في الصحراء الشرقية وعلاقتها بالتعدين. وعرضا خصائص هذه الأقاليم الجيولوجية ومصادرها التعدينية، وأهميتها في تنمية الصحراء.