عانى من التهاب في اللوزتين لازمه نحو 10 أيام. ذهب الالتهاب من تلقاء نفسه. لكن بعد مرور شهر أخذ يتصبب عرقاً. ارتفعت درجة حرارته وبدأ يعاني من ألم عميق في ساقه اليمنى. توجه إلى الطبيب ليعرف ما جرى له. وبعد الفحص الطبي طلب منه إجراء بعض التحاليل وصورة شعاعية لساقه التي يشكو منها. جاءت نتائج التحاليل والصورة الشعاعية لتشير إلى وجود بؤرة التهابية في العظم. على الفور حقن المصاب بالمضادات الحيوية الواسعة الطيف، وفي اليوم التالي أخضع لعمل جراحي تم فيه تنظيف العظم من فلول الالتهاب من أجل منعه من تدمير العظم السليم. هل سمعتم بمرض التهاب العظم؟ البعض قد يستغرب مستفسراً، وهل يصاب العظم بالالتهاب؟ نعم إن العظم كغيره من أعضاء الجسم يمكن أن يتعرض للالتهاب. ولا يجب الخلط بينه وبين التهاب المفاصل، مع العلم أن الاثنين يمكن أن يتواجدا معاً في الوقت نفسه. ويحدث التهاب العظم لدى كل الفئات العمرية، وهناك معطيات تفيد بأنه أكثر انتشاراً في المنطقة العربية من غيرها. عندما تهتك حجافل الجراثيم حرمة العظم يصاب الأخير بالالتهاب الذي قد يبقى محصوراً في مكانه، أو يمتد ليطاول كل طبقات العظم من اللب إلى القشرة. ويقسم التهاب العظم إلى قسمين: التهاب العظم الحاد، والتهاب العظم المزمن. وفي التهاب العظم الحاد تأتي الجرثومة المسببة عن طريق الدم، أو من خلال التماس المباشر مع أشياء ملوثة خلال حوادث الكسور أو في أثناء العمليات الجراحية. وبحسب الطريق الذي تسلكه الجراثيم يقسم الالتهاب الحاد إلى صنفين: - التهاب العظم الحاد من منشأ دموي، وهو التهاب شائع عند الأطفال في طور النمو والتطور، ويميل إلى إصابة العظام الطويلة كالفخذ والساق. - التهاب العظم من منشأ ملوث، وهذا يصيب الصغار والكبار من مختلف الأعمار. ويحدث الالتهاب في قطعة العظم التي على اتصال مباشر مع المصدر الملوث كما الحال عند التعرض للكسور أو بعد السقوط أو أثناء العمل الجراحي، أو إثر الإصابة بتقرحات جلدية عميقة غير معالجة في شكل جيد. وهناك مجموعة من العوامل التي تساعد على حدوث التهاب العظم الحاد هي: الداء السكري، وأمراض نقص المناعة، وغسل الكلية المستمر، وسرطان الدم، ومرض فقر الدم، والتقدم في السن، والإدمان على المخدرات، وتعاطي الأدوية عن طريق الوريد، وأمراض الشرايين المحيطية. أما في التهاب العظم المزمن، فغالبية الإصابات تنتج من الكسور المركبة الملوثة، أو إثر الشق الجراحي من خلال جلد وعضلات ملتهبة. وفي بعض الأحيان قد يتطور التهاب العظام الحاد إلى التهاب مزمن عبر سلسلة من الآليات، ففي البداية يتشكل تورم التهابي يسد الأوعية والشعيرات الدموية التي تؤمن الغذاء والهواء للعظم المصاب فيتحول إلى عظم ميت، وبعد ذلك تحدث تفاعلات يتشكل على إثرها عظم جديد يحيط بالعظم الميت يلعب دور الجدار الواقي لمنع امتداد الالتهاب إلى المناطق المجاورة ولكنه في الوقت نفسه يشكل عقبة لأنه يمنع تسرب المضادات الحيوية إلى كتلة العظم الميتة المليئة بالمفرزات الصديدية التي تعج بالجراثيم. ويتظاهر التهاب العظم على الشكل الآتي: 1- ارتفاع في درجة الحرارة مع الشعور بالقشعريرة في الالتهاب الحاد، لكن هذا الارتفاع يكون طفيفاُ في الالتهاب المزمن ويحصل من وقت إلى آخر. 2- ألم في منطقة العظم المصابة، يكون شبه مستمر في الالتهاب الحاد لكنه يكون غامضاً في الالتهاب المزمن ويأتي من حين إلى آخر. 3- احمرار، وتورم، وسخونة موضعية في منطقة العظم المصابة. 4- عند الأطفال الصغار يتظاهر التهاب العظم بالهياج والخمول والاضطراب. ويمكن لإلتهاب العظم أن ينتهي بعدد من المضاعفات بعضها خطر للغاية، وهذه المضاعفات هي: موت العظم بسبب إعاقة الالتهاب للدوران الدموي. خلل النمو عند الأطفال عندما تغزو الجراثيم غضاريف النمو(المشاشات). التهاب المفاصل القيحي في حال تسرب الالتهاب إليها. الخراريج. الكسور. سرطان الجلد. تخلل الغرسات المعدنية (المفاصل الصناعية، ألواح تثبيت الكسور) في حال كان الالتهاب بالقرب منها. يشخص التهاب العظم بناء على الفحص الطبي، والاختبارات الدموية، والتحريات الشعاعية، مثل التصوير بالأشعة إكس والتصوير الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي، والخزعة العظمية التي تعتبر الحكم الفصل الذي يسمح بوضع النقاط على حروف تشخيص التهاب العظم وعلى هوية الجرثومة المسببة من أجل إعطاء المضاد الحيوي المناسب. وبعد التعرف على هوية الجرثومة المتورطة يعطى المضاد الحيوي الملائم عبر الوريد ولفترة لا تقل عن ستة أسابيع كاملة. وقد لا يكفي الدواء وحده من أجل طرد فلول التهاب العظم، وعندها لا مفر من اللجوء إلى الخيار الجراحي لتصريف المفرزات الصديدية العالقة، وللتخلص من شظايا العظم الميتة والمواد الغريبة في حال وجودها، وإعادة التروية الدموية إلى العظم المصاب. وفي حال فشل الحلول السابقة في إطاحة التهاب العظم يبقى البتر هو الحل الأخير من أجل منع امتداد الالتهاب إلى أماكن أبعد ومن أجل المحافظة على الحياة. وفي الختام ننوه ببعض الملاحظات: - أحياناً قد لا يعطي التهاب العظم أية عوارض تذكر أو قد يتظاهر بعوارض متباينة نجدها في الكثير من الأمراض الأخرى. - في الماضي كان التهاب العظم داء عضالاً، أما في أيامنا هذه فيعالج بسهولة وبنجاح. - إن معظم حالات التهاب العظم تسببها الجراثيم العنقودية. - من الضروري معالجة أي بؤرة التهابية ميكروبية في الجسم حتى ولو كانت بسيطة لأن الجراثيم المسببة لها يمكن أن تتسلل إلى أي ركن من أركان الجسم ومنها العظام. [email protected]