الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    ابن مشيعل يحصل على درجة الدكتوراة    «هيئة النقل» تؤكد منع عمل الشاحنات الأجنبية المخالفة للنقل بين مدن المملكة    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    تشكيل النصر المتوقع أمام ضمك    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    المياه الوطنية و sirar by stcيتفقان على تعزيز شبكة التكنولوجيا التشغيلية في البنية التحتية لقطاع المياه    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    بالله نحسدك على ايش؟!    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    كابوس نيشيمورا !    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منتدى فالداي: روسيا تحاول تعويض خسائرها بالدعوة إلى الاتعاظ من تجربة ليبيا
نشر في الحياة يوم 02 - 03 - 2012

كان يمكن لمنتدى «فالداي» الذي انعقد أخيراً، في منتجع سوتشي على البحر الأسود، أن يمر من دون أن يترك صدى أو يعلق شيء من أعماله في الذاكرة مثل كثير من اللقاءات والمؤتمرات التي تنعقد سنوياً في روسيا.
لكن الفعالية التي جمعت للمرة الأولى منذ انطلاقة «الربيع العربي» خبراء من روسيا والعالم العربي عكست عمق الهوة بين الطرفين التي أحدثتها التطورات في المنطقة العربية وردود الفعل الروسية عليها.
ومع أن بعض المشاركين في اللقاء اعتبر أن مجرد اللقاء وفتح الحوار يشكل تطوراً ينبغي البناء عليه، خصوصاً أن نوعاً من التفاؤل ساد الحاضرين في ختام اللقاء باعتبار «أننا سمعنا بعضنا بعضاً ويمكننا الآن أن نستخلص النتائج اللازمة لكل طرف» كما قال رئيس معهد الاستشراق الروسي فيتالي نعومكين. لكن سخونة السجالات في أكثر من مفصل دلت إلى أن التباعد بين وجهات النظر في العالم العربي وروسيا بلغ حداً يستدعي إجراء مراجعة شاملة لاستراتيجيات كل من الطرفين في التعامل مع الآخر. هكذا على الأقل صاغ أكثر من متحدث عربي استنتاجاته في نهاية اللقاء.
«التحولات في العالم العربي والمصالح الروسية» كان العنوان الذي اختاره المنظمون للفعالية لافتاً للأنظار، برغم أن الحضور لم يتوقف عنده كثيراً. إذ تعمد الجانب الروسي طرح الملفات المقترحة للنقاش في ورشات العمل من زاوية واحدة تتعلق بالمكاسب والخسائر التي تنتظر موسكو بسبب «التحولات» في المنطقة، ما عكس محاولة للالتفاف على مناقشة أعمق، رأى فيها البعض نوعاً من الترفع عن سماع تفسيرات الخبراء العرب المدعوين للتطورات المتسارعة في المنطقة.
وبدا ذلك واضحاً منذ جلسة الافتتاح، إذ اضطر المضيفون إلى الرد بإسهاب بعد كل مداخلة من أحد الضيوف، لمواجهة سيل الانتقادات للمواقف الروسية حيال تطورات الوضع في المنطقة عموماً وفي سورية على وجه الخصوص.
والأكيد أن «الربيع العربي» فرض نفسه بقوة على الدورة الثالثة لمنتدى «فالداي» برغم أن المنظمين وهم بالإضافة إلى معهد الاستشراق، وكالة أنباء «نوفوستي» ومؤسسة استشارية تحمل اسم «مجلس السياسة الخارجية والدفاع» تجنبوا استخدام هذا المصطلح طوال العام الماضي.
ومعلوم أن المنتدى الذي يحمل اسم مدينة روسية شهدت مولده تأسس أصلاً قبل سبع سنوات لمناقشة الأمن الاستراتيجي، ولم يلتفت إلى الشرق الأوسط إلا منذ ثلاث سنوات عندما أطلق ما بات يعرف ب «فالداي الشرق الأوسط».
وتركز النقاش في دورتيه الأولى والثانية على ملف الصراع العربي الإسرائيلي وآفاق التسوية السلمية، قبل أن «تسرق» تطورات الوضع في المنطقة الأضواء من هذا الملف في الدورة الثالثة، وتزيحه إلى الدرجة الثالثة على سلم اهتمامات المنظمين.
كان من الطبيعي أن يسيطر الوضع في سورية وحولها على الجزء الأعظم من النقاشات، على الرغم من أن المنظمين لم يكونوا راغبين في توجيه النقاش بهذا الشكل، وهو ما بدا واضحاً في البرنامج المعد من خلال عدم تخصيص أي من جلسات النقاش الأربع للشأن السوري، وهو ما دفع الحضور إلى اقتراح إدخال النقاش حول الملف السوري إلى ورشة عمل حملت تسمية: القوى الخارجية ...أداة للتدخل أم للتحول- نظرة على المثل الليبي!
العقدة الليبية
منذ بداية المناقشات ركز الجانب الروسي على المثال الليبي لتبرير مخاوفه من أي تطورات في المنطقة، وتكرر الحديث عن ذلك في كل مداخلات الجانب الروسي من الحضور، بينما تجاهل المنظمون اعتراضات أكثر من متحدث أشارت إلى وجود فوارق جوهرية بين الحدث الليبي وتطورات الأوضاع في أكثر من بلد عربي آخر وعلى رأسها سورية.
وحملت المداخلة التي وجهها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى المؤتمر وأكد فيها أن «الربيع العربي لا يجب أن يكون مبرراً للتدخل العسكري ومحاولات الانتقاص من سيادة الدول» إشارة لإطلاق سجال حاد برزت خلاله خيبة الأمل العربية حيال المواقف الروسية، التي لاقت انتقادات لاذعة من جانب أصوات غير عربية أيضاًً.
وبدا أن الروس لم يستعدوا ل «هجوم» من هذا النوع، أجمعت فيه الآراء على أن روسيا ستكون «الخاسر الأكبر دولياً» بسبب مواقفها من الأحداث الجارية في المنطقة العربية.
وبرزت المخاوف الروسية من «المثال الليبي» ليس فقط على صعيد احتمال تكرار السيناريو العسكري الغربي في سورية ، بل في مسائل عدة تطرق الحوار إليها وبينها «سيطرة الإسلاميين» و»مصير الأسلحة» وعناصر أخرى برزت في كلمة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في الجلسة الافتتاحية. فهو شدد على إن «تسرب الأسلحة من ليبيا يمثل أحد العوامل في تدعيم خطر الإرهاب في شمال أفريقيا ومنطقة الصحراء الكبرى والساحل وفي العالم أجمع». ودعا إلى ضرورة أن يتناول المجتمع الدولي بالتحليل «أخطاء ارتكبت خلال الأزمة الليبية من أجل تجنب تكرارها». وذكر أن موسكو ترى ضرورة التحقيق في كيفية تنفيذ حلف شمال الأطلسي «الناتو» لقرار مجلس الأمن 1973 وترى ضرورة إجراء تحقيق «غير منحاز» في معلومات عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين في غارات جوية على أراضي ليبيا.
ولفت بوغدانوف إلى أنباء «مُقلقة» عن وقوع مواجهات بين مجموعات مسلحة في ليبيا وقمع أنصار النظام السابق وتعرض عمال أفارقة إلى هجمات واعتقال واحتجاز أجانب بطريقة غير مشروعة، مشيراً إلى أن «هذه الوقائع تؤدي إلى احتدام التناقضات الداخلية في المجتمع الليبي وتتسبب في تصاعد التوتر هناك وتزيد من احتمال منازعة دول الجوار».
وأثار الخطاب الروسي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ردود فعل غاضبة عند الضيوف العرب الذين رأى البعض منهم أن روسيا «تتعامل مع الأمور عن بعد ولا تحاول الاقتراب ودراسة الموقف على الأرض».
لكن اللافت أن اللغة «الخطابية» طغت على الجزء الأوسع من مداخلات الضيوف العرب، وكانت في جزء كبير منها مليئة بالتهديد والوعيد لمن «يدعم القتلة» وبالإملاءات بأن «على روسيا أن تقوم بخطوات محددة للتراجع عن مواقفها».
ورأى البعض في المقابل أن الحديث عن «الأخطاء الروسية» في المنطقة ليس كافياً ما لم يكن مشفوعاً بمحاولة لفهم الموقف الروسي وتقليص مخاوف موسكو من تداعيات «الربيع العربي».
وأمام سيل الاتهامات للروس تحدث مدير معهد دراسات أفريقيا أليكسي فاسيليف، عن «تحامل إعلامي على موسكو بالغ في تأويل مواقفها في شكل خاطئ» واعتبر أن وسائل الإعلام العربية «لم تكن عادلة عندما ركزت على أن مواقف موسكو حيال الأزمة السورية تقتصر على كون الرئيس السوري بشار الأسد حليف روسيا» معتبراً إلى أنه «لا يمكن اعتبار الموقف الروسي تحالفاً مع الأسد والمسألة لا تتعلق أيضاً بمصالح ضيقة مثل قاعدة طرطوس» ولفت إلى أن «هم موسكو حالياً هو حماية حق الشعب السوري في تقرير مصيره بسيادة كاملة دون أي تدخل خارجي».
وعكس السجال بين فاسيليف وأحد المشاركين العرب طبيعة النقاش في الجلسة الأولى من المؤتمر، التي شهدت أيضاً توجيه اتهامات لموسكو بأنها تتعامل مع المنطقة العربية كمربع على رقعة السياسة الدولية يأتي ترتيبه على سلم أولويات موسكو في المرتبة الخامسة أو السادسة.
وفي السياق ذاته، شن البعض هجوماً عنيفاً على روسيا معتبراً أن همها الأساسي هو الحفاظ على صادرات السلاح إلى المنطقة وهو ما دفع متحدثين روساً إلى التنبيه إلى أن حجم الصادرات الروسية الإجمالية إلى المنطقة كلها لا يتجاوز 10 بلايين دولار ما ينفي المصلحة التجارية أو الاقتصادية المباشرة، كما قال فيتالي نعومكين داعياً الحضور إلى عدم حصر النقاش بمصالح مالية وتوسيع دائرة الحوار لتشمل ملفات في عمق «أزمة الثقة» المتفاقمة بين الطرفين.
النظام الدولي الجديد...والشرعية
بدا الاعتراف الروسي بتفاقم أزمة الثقة بين العرب وروسيا لافتاً للأنظار ودافعاً لمنح الحوار أبعاداً أوسع، ظهرت خلال مناقشات ورشات العمل التي كانت أكثر هدوءاً.
وفتحت مداخلة قدمها رئيس الوزراء التركي السابق ميسوت يلماظ الباب لحوار عكس التباين الواسع مع الروس، في تحليل أبعاد التطورات الجارية في المنطقة العربية.
وقال يلماظ إن النظام السياسي الدولي ارتكز تقليدياً على ما يسمى معايير اتفاقيات وستفاليا التي تحول «السيادة الوطنية» إلى لب المبدأ الذي تبنى عليه مجتمعات الدول. وتعد السيادة امتيازاً بهذا المعنى للدول لكنه لفت إلى أن الصراع مع هذا المبدأ يجسد معياراً أساسياً أطلقته الأمم المتحدة ولا يرى في السيادة امتيازاً للدولة إنما مسؤولية لحماية حقوق الإنسان وتكامل الشعب القاطن في حدود هذه الدولة.
ومن الواضح وفق يلماظ أن الحماية الكاملة لمعيار واحد لا يتوافق وحماية الآخر، داعياً إلى تفحص التحدي الذي يبرز عند الممارسة: إذ يمكن تصور أن سياسياً ما يتصرف بتوازن ووعي على مستوى السياسة الدولية غير أنه داخل بلده ديكتاتور يهدد حياة شعبه بالخطر. متسائلاً: ما العمل عندما تتصادم معايير التكامل الوطني ومسؤولية الحماية. وأشار إلى أنه في مسألة ليبيا حاول قرار مجلس الأمن الرقم 1973 التوصل إلى حل وسط بين كل المعايير غير أن نجاحها كان موضع تساؤل.
وفي سورية، الخطوة الأساسية حول رفع مبدأ «مسؤولية الحماية» والتخفيض من قيمة معايير عدم التدخل لم تتخذ بعد.
«مسؤولية الحماية تجسد غالباً بصندوق باندورا (صندوق شرور جديد)، غياب القوانين في النظام الدولي حيث يمكن الهجوم على أي دولة إذا ما كان المتعدي أقوى.
معتبراً أن مسؤولية الحماية تعتمد على أدوات موجودة أصلاً كالوساطة وآليات تحذير مسبقاً وعقوبات اقتصادية. والوساطة تبدو حلقة التركيز في هذا المجال وهي مفتوحة للاعبين من الخارج كمنظمات المجتمع المدني ومؤسساته. وعند فشل الوساطة يبقى التدخل العسكري الحل الوحيد.
وخلص للقول إن المنطقة تقف أمام نقطة تحول تاريخية، والعثور على مقاربات جديدة ليس كافياً فلا بد من إيجاد أفكار ومعايير جديدة.
قوبل هذا الطرح بتأييد عدد من الخبراء، وأشار بعضهم إلى تحول في المفاهيم غدت فكرة التدخل الخارجي معه «ليس فقط غير مرفوضة بل مطلوبة أحياناً ويتم تحفيزها من جانب الشعب لأنها تشكل أحياناً الفرصة الوحيدة لحماية المدنيين» وهو أمر علق عليه أحد المتحدثين بالإشارة إلى أن «التدخل موجود في كل الأحوال والمطلوب هو تحديد فهم واضح لآليات هذا التدخل ومدى تأثيره على التطورات في داخل البلد المعني».
ولفت النقاش إلى بعد آخر للمعضلة تحدث عنه خبير عربي أشار إلى أن النظام الدولي المعمول به يضع ضوابط تحد من مجالات التدخل الأجنبي في شؤون الدول، ويربطه بطلب خاص من السلطة في البلد المعني، والسؤال الذي يطرح نفسه عن أي سلطة يمكننا أن نتحدث في هذه الحال؟ مع وجود ثلاثة أنماط للسلطة واحدة واقعية بحكم وجودها وتحكمها بمقاليد الأمور وواحدة شرعية إذا كانت منتخبة وتعبر عن رأي ناخبها وثالثة وصفها بأنها مزيفة وليست قادرة على التحكم بالموقف وأشار إلى أهمية إجراء مراجعة للقانون الدولي في هذا الشأن يضع هذه المسألة قيد النقاش.
الملاحظ أن هذا النقاش حفز الجانب الروسي وأبرز واحدة من أبرز أسباب معارضة موسكو الحراك الدولي الجاري حول سورية، لأن الانتقاص من مبدأ سيادة الدول «يهدد بفتح العالم على فوضى قاتلة وكارثية النتائج» كما علق متحدث روسي.
ولفت الأكاديمي أليكسي فاسيلييف إلى أن روسيا «ستواصل التعاون مع أي حكومة شرعية في أي بلد من البلدان العربية». وقال لوكالة أنباء «نوفوستي» بعد الجلسة مباشرة إن موسكو تتعامل مع كل قيادة شرعية منتخبة في العالم العربي ولا يجوز لأحد أن يطالب روسيا بتأييد أي عمل ينافي القانون الدولي ويؤدي إلى قتل الناس».
الخطر الثاني على روسيا
خصص المؤتمر واحدة من جلساته لمناقشة «دور الإسلام السياسي» الصاعد في المنطقة، ولم يخف متحدثون من أن المخاوف الروسية من وصول الأحزاب الإسلامية إلى السلطة في بلدان الربيع العربي متعلقة ب «صعوبة التحكم في فترة لاحقة بالمزاج العام لدى هذه الأحزاب» في إشارة إلى أن لغة الاعتدال التي تميز خطاب الأحزاب الإسلامية الحالية في تونس ومصر وغيرهما ربما «لن تستمر لفترة طويلة».
واعتبر الخبير في الشؤون الروسية - العربية ألكسندر أكسينيونوك أن السؤال المطروح هو إلى أي درجة يمكن ضبط إيقاع الأحزاب التي تسلمت السلطة فجأة بعدما كانت بعيدة عنها لعقود طويلة.
وتحدث أحمد نجيب الشابي، مؤسس الحزب التقدمي الاجتماعي، في تونس عن تجربة بلاده في هذا الشأن مشيراً إلى أن فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي كان مفاجئاً، وولد فراغاً سياسياً تمكن حزب «النهضة» والإسلاميون العائدون من المهجر من تعبئته.
واعتبر الشابي أن انتصار «النهضة» في الانتخابات «ليس فوزاً سياسياً واسعاً في الشارع إذ أنه بالنظر إلى نسبة المشاركة في الانتخابات يحظى الحزب بدعم 18.5 في المئة فقط من القاعدة الانتخابية».
وهو أمر رأى آخرون أنه ينسحب على الوضع في مصر، برغم أن الوضع في الأخيرة أثار مناقشات أكثر قوة بالنظر إلى الفوارق بين»الإخوان» و»السلفيين».
وشدد أكثر من متحدث مصري بينهم الرئيس السابق لجهاز الاستعلامات المصري طه عبد المنعم ونائب رئيس تحرير «الجمهورية» السيد هاني إلى ضرورة منح الفرصة الكافية للطرف الفائز في الانتخابات من أجل تطبيق برامجه و»الحكم في النهاية لصناديق الاقتراع».
اللافت أن التعليقات الروسية على المناقشات وإن لم تكن عالية الصوت خلال الجلسات لكنها لفتت إلى أن هذا الملف له حساسية خاصة بالنسبة إلى موسكو نظراً لوجود مناطق بأكملها ذات غالبية سكانية مسلمة، بالإضافة إلى وجود نزعات انفصالية كانت لها تداعيات قاسية على الروس في السنوات الماضية في إشارة إلى منطقة القوقاز.
لكن العنصر الثاني الذي برز في هذا المجال هو المخاوف على منطقة آسيا الوسطى التي تعاني أوضاعاً هشة وأنظمة الحكم فيها تكاد تكون نسخة مكررة عن عدد من بلدان المنطقة العربية بالإضافة إلى نشاط أحزاب الإسلام السياسي البارز فيها.
مَن الرابح ومَن الخاسر ... ودور مجلس التعاون
ركزت احدى ورشات العمل في المؤتمر على دور اللاعبين الإقليميين في محاولة للإجابة على سؤال: من الرابح ومن الخاسر في المعادلة المتفاعلة في الشرق الأوسط؟
ولفتت غالبية المشاركين في الجلسة إلى ظهور لاعب أساسي في المنطقة سيبقى دوره أساسياً لمرحلة طويلة هو مجلس التعاون الخليجي الذي لعب دوراً مفصلياً في التعامل مع الملف الليبي ومازال يلعب دوراً أساسياً في التعامل مع الموضوع السوري.
وقال الخبير الروسي ألكسندر أكسينيونوك في كلمة ألقاها في المؤتمر أن « منطقة الخليج العربي، هي التي بدأت تحدد أسلوب تطور الأحداث في المنطقة بعد تطورات «الربيع العربي».
وأضاف أن هذه الدول برزت في قيادة حراك الجامعة العربية للتأثير على مجريات الأمور في سورية، كما وظهرت ككتلة عسكرية، من أجل إنهاء الاحتجاجات التي اندلعت في البحرين بداية العام الماضي.
وأعرب الخبير الروسي عن اعتقاده بأن تأثير دول مجلس التعاون الخليجي على الأمور في المنطقة قد يكون إيجابياً بالنسبة لدول، وسلبياً بالنسبة لأخرى.
ورأى أن العامل الإيجابي يظهر في حال دعمت هذه الدول حكومات الإسلام المعتدل التي ظهرت في بعض بلدان الشرق الأوسط، و»السلبي» في حال دعمهم للجماعات السلفية التي بدأت في الظهور العلني في مصر وتونس في الفترة الأخيرة.
وعكست كلمات السفير الروسي السابق حجم المخاوف التي تجعل روسيا «تتحفظ على التطورات الجارية» كما قال .
كما أبدى خبراء رأياً مفاده أنه إضافة إلى الدول المحورية والمؤثرة في المنطقة مثل إسرائيل وتركيا وإيران، ستلعب أنظمة عربية جديدة أدواراً قيادية، وبحسب رئيس مركز «الشرق» للدراسات الإقليمية والإستراتيجية في القاهرة مصطفى اللباد فإن «لدى مصر كل الفرص لتصبح دولة قيادية في المنطقة»، مؤكداً أن مصر «ستعود إلى حلبة القيادة في المنطقة بفضل التغيرات الداخلية التي تشهدها».
أما الجانب الإسرائيلي فقد بدا حذراً في التعامل مع كل المنطقة العربية التي تتبلور ملامحها بعد «الربيع العربي». وقال الخبير الإسرائيلي من معهد الأمن القومي الإسرائيلي شلومو بروني، إن «الربيع العربي»: «سيؤدي بكل تأكيد إلى تغير موازين القوى في المنطقة، بعد تغيير النخب الحاكمة فيها»، موضحاً أن «العرب سيظهرون قدرات على الساحة الدولية». وأشار إلى أن «هذه العملية ستمر بصعوبات كثيرة، بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الكثيرة، لكن مستقبلاً لا شك، أن العرب سيتمكنون في الشرق الأوسط بثقة أكبر مما شهدناه في السنوات العشر الأخيرة».
وأشار إلى تعاظم دور جامعة الدول العربية التي اعتبرت دائماً منظمة بلا سلطة فعلية، إلا أنها بدأت أخيرا بلعب دور فعّال، مجبرة المجتمع الدول على الإنصات لمطالبها.
أما الخبير الإيراني مدير مركز الدراسات الإستراتيجية بطهران، محمود شوري، فقال في مداخلته في المؤتمر إنه وبفضل التغيرات في المنطقة، فإن دول الشرق الأوسط بدأت في الظهور على الحلبة السياسية بقوة أكبر. وأضاف: «أنا متأكد من أن دولنا ستتحكم بمصير الشرق الأوسط في المستقبل، وليست دول أخرى عظمى كما كان الأمر في السابق».
وأشار الخبير الإيراني إلى أن شعوب الشرق الأوسط تريد أن تجمع بين الإسلام والديموقراطية، مؤكداً أن «لا خلاف بين الإسلام والديموقراطية، في الشرق الأوسط الجديد».
سورية العقدة وروسيا مطالبة بمراجعة شاملة
على مدى يومين من الحوار كان السؤال الأبرز المطروح هو: من الرابح ومن الخاسر من التطورات الجارية؟
ومع أن سخونة النقاش في الجلسات الأولى وضعت روسيا بين الخاسرين «بالتأكيد» كما قال أحد المشاركين، لكن أجواء الجلسة الختامية حملت تصورات جديدة عند المشاركين إذ انتقل الحوار إلى «ضرورة إجراء مراجعة شاملة لاستراتيجية روسيا في التعامل مع المنطقة العربية تكملها في المقابل ضرورة أن يراجع العرب استراتيجياتهم في التعامل مع روسيا» كما قال رئيس الجلسة المستشرق اليكسي فاسيليف.
ولم يخف الخبير ارتياح الجانب الروسي لأنه تمكن من شرح وجهات نظر موسكو وتبرير مواقفها حيال الوضع في المنطقة.
وتطابقت تلك العبارات مع رأي خبراء تحدثوا عن أن «من مصلحة روسيا دراسة عمليات التغيير الجارية في البلدان العربية بعمق أكبر وإقامة الاتصالات والحفاظ عليها وتطويرها مع كل القوى الفاعلة على الساحة العربية والإسلامية على اختلاف انتماءاتها السياسية والفكرية بهدف تفعيل دور روسيا وتأثيرها الإيجابي في مصلحتها ومصلحة العالم العربي والإسلامي الذي هو أيضاً بحاجة ماسة إلى وضع إستراتيجية جديدة للتعامل مع روسيا الحديثة».
واعتبر مدير معهد «الشرق» للدراسات الإستراتيجية السوري، سمير التقي، أن روسيا عندما استخدمت حق النقض «الفيتو» «أفرحت الكثير من الأطراف في الغرب وواشنطن على وجه التحديد التي رأت في التعنت الروسي إطلاقاً ليدها على المستوى الدولي بتجاوز الأمم المتحدة والفعل في شكل منفرد»، والدليل هو مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري».
من هذا المنطلق يعتقد التقي أنه ينبغي على روسيا «تطوير دورها الذي يسمح لها بالإبقاء عليه».
وأعرب الخبير السوري عن قناعة بأن «روسيا الاتحادية هي القوة التي تستطيع أن تحاور المجتمع السوري بكل شرائحه من موقع الثقة ومن دون شكوك ومن دون خلفيات سياسية وبماضٍ نظيف جداً في سبيل انتاج توافق اجتماعي يخرج فيه الجميع من منطق رابح وخاسر». كما استغرب ترداد فكرة توحيد المعارضة كشرط للتقدم في عملية سياسية، معتبراً أن الحديث لا يقف عند توحيد المعارضة على غرار المجلس الليبي الانتقالي الذي تم بدعم من المجتمع الدولي، والتنوع أمر طبيعي.
لكنه اعتبر أن المطلب الروسي بوقف العنف قبل التوجه إلى الحوار ليس معقولاً، لأن الحوار عندها يفقد مبرراته و «عندما تطلب من المتصارعين رمي السلاح قبل التفاوض هذا ليس عملياً، لأن الطرف الأقوى يفقد الرغبة في التفاوض».
وشدد على ضرورة «توسيع فكرة أصدقاء سورية ليس بالمعنى الذي عنته الرئاسة الفرنسية ولكن عبر إنشاء مجموعة دولية للتوسط بين النظام وقوى الثورة السورية، التي رفض تسميتها المعارضة لأنها «أصبحت القوة الكاسحة».
وفي الأزمة السورية أيضاً رأى الصحافي البريطاني باتريك سيل أن المسألة السورية تقع على مستويين أحدهما داخلي والآخر يندرج في إطار المؤامرة الدولية.
هذه المؤامرة وفق سيل تقودها قوى خارجية على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل للحفاظ على محور عدو واحد هو «طهران، دمشق وحزب الله».
قال سيل: «للأسف، يركز الأسد كامل اهتمامه على المؤامرة الخارجية متجاهلاً العامل الداخلي وهو شرعية انتفاضة الشعب الداخلية».
وعودة إلى السجالات الروسية – العربية يبقى القول إن الأطراف المجتمعة رددت أكثر من مرة خلال جلسات العمل فكرة تأسيس مجموعة نيات حسنة لمواصلة الحوار العربي-الروسي على مستوى الخبراء، لكن المؤتمر أسدل الستار على دورته الثالثة بصدور توصيات بضرورة تعميق الحوار من دون أن يشكل اللجنة التي ظلت الفكرة في شأنها حبيسة أدراج النقاش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.