اخترقت زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لبيروت أمس الجمود السياسي الحاصل في عملية تأليف الحكومة، على الأقل في الظاهر، فاشترك الضيف الفرنسي مع سائر المسؤولين اللبنانيين في إشاعة مسحة التفاؤل بإمكان انتقال الوضع اللبناني الى مرحلة جديدة إيجابية بفعل مناخات التقارب العربي - العربي ولا سيما السعودي - السوري. وفيما استمرت الأوساط المتابعة للاتصالات في شأن تأليف الحكومة في القول نقلاً عن محيط كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس البرلمان نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري أن هناك صعوبات تواجه عملية التأليف لكنها ليست مستعصية على الحل، خرج كوشنير بانطباع بعد لقاءاته مع كبار المسؤولين وممثلي القوى السياسية الذين التقاهم أمس، بأن الحريري سيتمكن من تشكيل الحكومة في فترة زمنية معقولة، «ولم يتكلم أحد عن فترة أشهر»، كما قالت مصادر مطلعة على المحادثات التي أجراها الوزير الفرنسي. وإذ حرص كوشنير على التأكيد أكثر من مرة ان ليس من مهمات فرنسا تشكيل الحكومة أو التدخل في هذا الأمر، فإنه قال في تصريح الى «الحياة» ان «فكرة الثلث المعطّل (في الحكومة للمعارضة) ليست أداء ديموقراطياً». وجاء كلام كوشنير في وقت صدر موقف لافت عن نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان اعتبر فيه ان «الثلث الضامن والمعطل بدعة والطروحات المبدعة ضلالة...»، داعياً الى «اختيار الأفضل والأنقى من المعتدلين...» للمناصب الوزارية. وفي المقابل اعتبر نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم ان الانتخابات «أفرزت توازناً دقيقاً ولا توجد أكثرية كبيرة ولا أقلية مسحوقة...»، معتبراً أن التهنئة بالانتخابات النيابية (من الغرب وأميركا والذين يزورون لبنان) «هي للمعارضة اللبنانية الشريفة التي قبلت بالنتيجة... ولم تتحرك في الشارع». وعلمت «الحياة» أن الجانب الفرنسي سمع من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، الحريري، أنه عندما سيزور دمشق فإنه سيزورها ليس كسعد الحريري الشخص وانما كرئيس حكومة دولة فتكون العلاقة من دولة الى دولة أي بعد أن يكون شكّل الحكومة... وقال كوشنير ل «الحياة» انه يعتقد أن «فكرة الثلث المعطل ليست أداء ديموقراطياً وأتمنى أن تكون هناك حكومة من دون توتر ومعارضة، وان تتم خصوصاً، الإفادة من المكتسبات المحققة، وهي أن المحيط لم يعد يثقل (على الوضع اللبناني) مثلما كان يفعل سابقاً». وأضاف: «ان اللبنانيين أحرار الآن أكثر مما كانوا سابقاً. ويجب أن يكون هذا البلد مستقلاً أكثر وهو يستقل أكثر فأكثر». وسألته «الحياة» عن موقفه من الثلث المعطل فأجاب: «هذا رأيي وأنا لن أقرر بالنيابة عن اللبنانيين. وهذه الانتخابات الجيدة التي أجريت من دون صدام أو عنف، عظيمة، وهناك رئيس للحكومة مكلف سيسعى الى تأليفها وفق تصوره مع الأخذ في الاعتبار نفوذ هذا أو ذاك من دون أن يكون وفق تصور الآخرين. هذا ما أقوله للمعارضة وأتمناه. ينبغي أن تتمكن الحكومة من العمل في شكل طبيعي ولدينا شعور بأن خطوات الحوار في المنطقة تساعد على هذا التطور». وعن العلاقات الفرنسية - السعودية قال: «لقد كان لي حديث لمدة ساعتين مع (خادم الحرمين الشريفين) الملك عبدالله بن عبدالعزيز وشرحت له أن انفتاحنا على سورية لن يعوق اطلاقاً علاقة الصداقة المتينة مع السعودية. ولدينا تقدير وامتنان تجاه الملك عبدالله و (وزير الخارجية) الأمير سعود الفيصل لأن خبرتهما مفيدة. وأنا أرى ان التقارب بين سورية والسعودية تطور إيجابي خصوصاً بالنسبة الى إيران». وسئل كوشنير إذا كانت سورية تسمع جيداً موقف فرنسا مما ينبغي أن يكون عليه ملف العلاقات اللبنانية - السورية في شأن ضبط الحدود وترسيمها والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات فقال: «سبق أن أجرينا حديثاً (مع المسؤولين السوريين) مرات عدة». وعما إذا كان سيلتقي البطريرك الماروني نصرالله صفير قال: «سأتصل به، وسأزوره في المرة المقبلة». وكان الوزير الفرنسي التقى أمس الرؤساء سليمان، بري، فؤاد السنيورة والحريري، وزير الخارجية فوزي صلوخ، النائب عن «حزب الله» نواف الموسوي، الرئيس السابق أمين الجميل، رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع والوزيرة السابقة نايلة معوض، على أن يلتقي اليوم النائب مروان حمادة ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون قبل أن يتوجه الى دمشق.