يبدو أن البحوث عن ماضي العيش في شبه جزيرة العرب تسير بخطى حثيثة نحو إعادة صوغ الصيغة الرائجة حاضراً عن قصة الحضارة والإنسان، بل الكائنات الحيّة كلها. ولعل الأحدث في هذا المجال هو «ممرّ الفيلة» في دولة الإمارات العربية المتحدة الذي كشف عنه اليوم فريق علمي من ألمانياوفرنسا وأميركا والإمارات. عمل الفريق تحت قيادة الباحث فيصل البيبي، وهو مختص في عِلم الإحاثة («باليونتولوجيا») يعمل في فرنساوألمانيا. ونشر الفريق ورقة في مجلة «بيولوجي ليترز» («رسائل البيولوجيا») تحدّثت عن هذا الممر الذي تشكّل بأثر من وقع خطى لقطيع من الفيلة عاش قبل 7 ملايين سنة في شبه جزيرة العرب. ورأى الفريق أنه يشكّل الدليل الأكثر قِدَماً عن ظهور نمط من التفاعل اجتماعياً بين الفيلة، بمعنى تشكيل قطيع من 13 فيلاً، تصرّفت كمجموعة متناغمة. سار القطيع على الوحل مسافات طويلة. وترك آثار أقدام غائرة، تصلّبت تحت الشمس. ثم دفنتها يد الطبيعة، قبل أن يكشف عنها الفريق الذي استخدم كاميرا محمولة على طائرة في تصوير موقع الممر. سُمي الموقع «مليسا 1» 1 mleisa، ومساحته 5 كليومترات مربعة. وتشير آثار أقدام القطيع إلى أن الفيلة تتصرف كمجموعة وكأفراد في الوقت نفسه. إذ يضم «مليسا 1» مساراً بطول 260 متراً، لفيل وحيد. وثمة ما يوحي بأن هذا الفيل ذكر هجر القطيع الذي قادته أنثى على الأرجح. ثم عاد بهدف التزاوج، على غرار ما تفعل الفيلة حاضراً. وشارك في كتابة الورقة آندرو هيل وبراين كراتز والبروفسور ناثان كريغ، ومارك بيتش (من «هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة»)، وماتيو شوستر (فرنسا). على خطى جلجامش وجاء الكشف عن «مليسا 1» بالترافق مع بحث نُشر في موقع «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم» تحدث عن حفريات في شبه جزيرة العرب تكشف قصة مختلفة عن حضارة البشر. إذ تقول الرواية العلمية التي ظلت متداولة لوقت طويل، إن الإنسان هجر العيش في القرى، وشرع في تشييد مُدُنه الأولى في العراق، قبل قرابة ستة آلاف سنة. وعُرِفت هذه الفترة باسم «حقبة أوروك»، في إشارة إلى مدينة «أوروك» السومرية القديمة في العراق التي يفترض أن أحداث «ملحمة جلجامش» دارت فيها. في المقابل، ترسم حفريات حديثة في سورية والكويت وإيران والسعودية، صورة لتاريخ مختلف. إذ توحي بأن الانتقال للعيش في مُدُن جرى في حقبة أكثر تبكيراً، أي قبل قرابة 7500 عام، وهي فترة تُسمى «حقبة عُبيد». وكذلك تشي هذه الحفريات بأن الاتصال بين المجموعات البشرية تسبّب بهذا التغيير في نمط العيش، وليس توافر فوائض الغذاء أو نشوء الممالك أو انتشار عبادة معيّنة، كما كان يُعتقد. ولعل هذه الأشياء توحي بقصة مغايرة لشبه جزيرة العرب مع الحضارة وكائناتها، وهي قريبة أيضاً مما اكتشفه علماء الوراثة أخيراً من أن تلك المنطقة كانت مهداً للشعوب التي عمّرت العالم القديم بأسره! لمزيد من المعلومات عن ممر «مليسا 1» للفيلة البدائية، يمكن الرجوع إلى موقع «مليسا 1.وردبرس.كوم» mleisa1.wordpress.com.