توصلت دول منطقة اليورو إلى اتفاق ينقذ اليونان من الإفلاس، ويمكنّها من الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين لدى استحقاق ديون نهاية الشهر المقبل. ويضمن الاتفاق قروضاً بقيمة 130 بليون يورو، يؤمّنها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، إضافة إلى شطب القطاع الخاص جزءاً من ديون أثينا. وتوصلت دول منطقة يورو إلى الاتفاق فجر أمس، بعد نقاشات صعبة اضطرت خلالها اليونان إلى قبول الوصاية الأوروبية من خلال وجود خبراء الاتحاد والصندوق في شكل منتظم لمراقبة تسديد الديون وستوضع في حساب خاص. والتزمت اليونان تأمين مبلغ إضافي قيمته 3.5 بليون يورو. وتُعد صفقة الأمس (130 بليون يورو) الثانية بعد برنامج خطة أولى من القروض بقيمة 110 بلايين حصلت عليها أثينا في أيار (مايو) 2010. وتتضمن الصفقة إلى جانب مشاركة القطاع المصرفي الخاص في حل أزمة اليونان. ومقرر أن تزيد المصارف الخاصة حصتها في شطب الديون من نحو 50 في المئة وفق الاتفاق السابق، إلى 53 في المئة من القروض التي كانت قدمتها إلى اليونان، بمقتضى الاتفاق. ورجحت التقديرات أن تصل قيمة الخفوض إلى 100 بليون يورو. وستتمكن اليونان من تفادي الإفلاس بتسديد 14.5 بليون يورو منتصف الشهر المقبل. وفي المقابل قبلت أثينا خيار الرضوخ لشروط الدائنين من خلال وضع خطة تقشف جديدة، على رغم حركة الاحتجاج وأعمال العنف في الشارع، تقضي بتأمين 3.3 بليون يورو هذه السنة، عبر خفض الحد الأدنى للأجور بنسبة 22 في المئة، وتقليص تعويضات التقاعد. ووقع زعيما حزبي الائتلاف الحكومي «الاشتراكي» و»الديموقراطية الجديدة»، التزاماً باحترام خطة الإصلاح وتنفيذها وفق الشروط المحددة مع الدائنين، مهما كانت نتائج الانتخابات وطبيعة الائتلاف في الانتخابات المقررة في نيسان (أبريل) المقبل. مفاوضات عسيرة واستمرت مفاوضات وزراء المال لدول منطقة اليورو ساعات إضافية ليل الاثنين - الثلثاء في بروكسيل، لإيجاد وسائل خفض الدين اليوناني إلى نسبة 120.5 في المئة من الناتج المحلي عام 2020. وهو أقصى معدل يمكن دولة تحمله كما هي الحال مع إيطاليا وإلى حد ما بلجيكا. وتبلغ ديشون اليونان نسبة 160 في المئة من ناتجها. ويجمع المراقبون على استحالة خروج اليونان من المأزق في ظل بلوغ الديون مثل هذا المعدل. وكانت ألمانيا ولوكسمبورغ شددتا، وكذلك صندوق النقد الدولي، على ضرورة خفض الدين إلى هذا المستوى حتى تستطيع التحكم في مستوى إدارته. ولا سبيل إلى خفض الدين في المستقبل من دون اتخاذ خطوة حاسمة الآن يشارك فيها القطاع الخاص بتحمله جزءاً من الخسائر. وستخضع اليونان لمراقبة شديدة من جانب دائنيها لضمان عدم انحرافها عن الأهداف المحددة. ويشكك شركاء اليونان في قدرة الإدارة اليونانية على تعميم ثقافة واجب تسديد الجباية المستحقة في بلد يحلو فيه العيش، لكن من دون أن يسدد القطاع الخاص ما عليه من مستحقات ضريبية. ويخشى الشركاء من خلط الأوراق بعد الانتخابات المقبلة. لكن ربما لا يكفي اتفاق بروكسيل لحل الأزمة حيث ينعدم الوفاق الاجتماعي. وتتهيأ النقابات إلى تنظيم المزيد لتوسيع حركة الاحتجاج ضد برامج التقشف، والتي من شأنها زيادة حدة الأزمة الاقتصادية. ويعاني اقتصاد اليونان من الركود وضعف التنافسية. وإذا لم تُحرّك آلة الإنتاج، يمكن أن تجد أثينا ذاتها مرة أخرى في حاجة سريعة إلى موارد مالية إضافية. ولتحقيق هدف إبقاء نسبة الدين العام ضمن سقف 120 في المئة من الناتج من دون زيادة قروض الحكومات المترددة، لجأ وزراء المال في منطقة اليورو إلى حلول أخرى. وأعلن مصدر حكومي زيادة مساعدة القطاع العام وكذلك جهود المصارف الدائنة. ويقترن هذا الأمر بخفض نسبة الفوائد على قروض الجهات العامة لليونان، في إطار خطة الإنقاذ الأولى، إضافة إلى إشراك المصارف المركزية الوطنية في منطقة اليورو في هذا الجهد، ووافقت المصارف على خسارة تزيد على المتوقع. وكانت هذه العملية حساسة، إذ يجب أن يبقى جهد المصارف طوعياً، كما يجب أن تبدأ خطة شطب ديون اليونان الأربعاء لتجنب سقوط اليونان في الإفلاس قبل حلول 20 من الشهر المقبل. وتتجه الأنظار أيضاً إلى صندوق النقد الدولي الذي يبدو مستعداً للمشاركة في المساعدة العامة البالغة 130 بليون يورو، من دون تحديد القيمة. مواقف وأكد رئيس الوزراء اليوناني لوكاس باباديموس التزام «تنفيذ البرنامج في الإطار الزمني المحدد وبالفاعلية الكافية». ووعد بأن تكون الحكومة التي ستفرزها الانتخابات المقبلة ملزمة «مواصلة البرنامج إذ يخدم مصالح الشعب اليوناني». وأوضح المفوض الأوروبي للشؤون المالية أولي رين، أن «خطة إنقاذ اليونان تستند إلى شرطين أساسيين، هما تشديد مراقبة الموازنة اليونانية وفرض وجود أوروبي دائم». وكانت هولندا الطرف الأكثر تمسكاً في الساعات الأخيرة من المفاوضات بضرورة وجود الخبراء الأوروبيين بصفة دائمة في أثينا. لكن طلب تشديد المراقبة يعود إلى فترة طويلة، إذ يشك الخبراء الأوروبيون في كفاءة الإدارة اليونانية ولا يثقون في صدقية الإحصاءات التي تقدمها أثينا. وكان رئيس مجموعة اليورو جان كلود يونكير، اعتبر في تموز (يوليو)، أن «سيادة اليونان ستُقيّد»، في إشارة إلى الحاجة إلى الرقابة الأوروبية على تفاصيل وضع الموازنة والأنظمة الضريبية واستخدام القروض للتسديد للدائنين. وقبلت أثينا أيضاً بإدماج أهداف خفض الدين في الدستور خلال شهرين. وتكتمل الوصاية الأوروبية على اليونان بقبول الأخيرة، مبدأ اللجوء إلى محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ في حال أخلت اليونان بتسديد ديونها تجاه القطاع الخاص. ويمكن في المبدأ حجز ممتلكات اليونان في حال تخلفت عن تسديد مستحقاتها للقطاع المصرفي. ويمثل هذا الإجراء سابقة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، إذ يوضع أحد الأعضاء تحت وصاية المجموعة. وشهدت اليونان نفسها مثل غيرها من الدول الصغيرة وصاية القوى المالية والاستعمارية في القرن التاسع عشر، بعد إخلال الأولى بالتزاماتها تجاه الدائنين. وكان هذا شأن الجزائر قبل دخول الاحتلال عام 1830 وتونس قبل عام 1880 واليونان نفسها عام 1834. فكأن التاريخ يعيد نفسه في أوروبا، ولكن تحت مسمى الاندماج الأوروبي بداية القرن الواحد والعشرين.