ما إن يحل شهر رمضان إلا وتعود الحياة مجدداً للمساجد والجوامع الأثرية القديمة، فروحانيتها التي تمتزج برائحة التراث تحفز كثيراً من المصلين لأداء صلوات التراويح والقيام بها بشكل يومي. وفي محافظة المجمعة (شمال الرياض)، تشتهر أحياء فيها بمساجد، لها تاريخ موغل في الِقدم، أولتها إدارة الأوقاف والمساجد أهمية بالغة، إضافة إلى اهتمام رجال الأعمال ومبادراتهم لإعادة بناء وترميم عدد منها على هيئتها السابقة وبموادها الأصلية. وعن تلك المساجد القديمة وعددها في المجمعة قال مدير إدارة الأوقاف والمساجد عبدالرحمن السويلم: «هناك مساجد أثرية في كل من المجمعة وحرمة وبقية مدن سدير، بُنيت منذ عشرات الأعوام ولا تزال قائمة، يبرز من بينها الجامع القديم بحرمة، وباب البر بحرمة القديمة، أما في المجمعة في «البلدة القديمة» يوجد مسجد ابن صقر، وركية ناصر، وركية إبراهيم، وباب البَر، والظهيرة، والحارّة». من جانبه، أوضح عبدالرحمن الشبيعان المسؤول في مكتب هيئة السياحة والآثار بالمحافظة، أن المجمعة تزخر بعدد غير قليل من المساجد الأثرية القديمة التي لا تزال تحتفظ بعمرانها ونسيجها العمراني القديم، مضيفاً: «اهتمام الأهالي هنا بالصلاة فيها غير مستغرب، بالنظر إلى حال تلك المساجد وما تحظى به من اهتمام من القائمين عليها، أو من إدارة الأوقاف وكذلك الهيئة». صلاة وذكريات من جهته، يقول المواطن عبدالمحسن الشبانة إنه يأتي بشكل يومي من أحياء المجمعة الشرقية لأداء صلاة التراويح في مسجد الظهيرة في البلدة القديمة، مضيفاً: «التراويح في الظهيرة لها طمأنينة مختلفة، فالمسجد يشعرك بالروحانية والهدوء». من جانبه، يرى المسن عثمان عبدالله (83 عاماً) أن الصلاة في تلك المساجد القديمة يعيده إلى الوراء عشرات الأعوام، فهو يتذكر معها بساطة أيامه وأيام آبائه، مضيفاً: «مع حلول الشهر الفضيل أتوجه كل مساء لأحد المساجد القديمة التي تقام بها صلوات التراويح والقيام، لما أجده فيها من روحانية وهدوء، لا يتوافران في غيرها من المساجد». ... أسماؤها توثق تاريخاً من الفقه والقضاء و«العائلات» عن تاريخ المساجد الأثرية في المجمعة تحدث إلى «الحياة» عضو هيئة التدريس في جامعة طيبة الدكتور فهد بن عبدالله المزعل، المهتم بالمساجد الأثرية، وقال: «مدينة المجمعة غنية بآثارها ومعالمها القديمة، ومن أهمها مساجدها التي كان يحيط بها سور البلدة القديمة في مختلف أطواره». وأشار إلى أن المساجد التي تعد قديمة هي: الجامع الأول الذي اندثر، وفي موقعه جامع العقدة المعروف الآن، ومن أئمة هذا الجامع: الشيخ محمد بن عبدالله الدوسري، المتوفى عام 1099ه. ومسجد «ركية إبراهيم» نسبة إلى مؤسسه إبراهيم بن عبدالله بن سيف الشمري، والمسجد جددت عمارته مرات عدة، لا يزال آخرها قائماً. ومسجد الحارّة ومؤسسه عثمان بن عبدالله الثميري، وجددت عمارته مرات عدة آخرها لا يزال قائماً، وجامع العقدة العتيق، وهو امتداد لمسجد القصر الذي كان يحيط به سور العقدة، ويعرف هذا المسجد الآن بالجامع القديم، وأشار إليه المؤرخ ابن بشر رحمه الله في حوادث عام 1264ه، وذكر أنه سقط أكثر من ثلثه بسبب توالي السيول. ويضيف المزعل أن من المساجد القديمة بالمجمعة مسجد يحيى بن دهيش من نسل مؤسس المجمعة عبدالله بن ويبار الشمري، ويسمى الآن بمسجد «حويزة»، وأدرك كبار السن في أوائل الستينات من القرن الماضي وجود منبر لصلاة الجمعة فيه، وجددت عمارته مرات عدة آخرها لا يزال قائماً، ومسجد «ركية ناصر» ويطلق عليه تسمية «مسجد المشايخ»، لأن قضاة البلد من الشيخ العنقري ومَن بعده اتخذوه مسجداً يصلون به إما أئمة أو مأمومين، ولم يكن لهذا المسجد شهرة قبل تولي العلامة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري قضاء المجمعة، فهو الذي شهر أمره: بتجديده والزيادة فيه عام 1336ه ومن ثم جعله مسجداً له ومقصداً لطلبة العلم لتلقي العلم فيه، وكذا من بعده العلامة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد، والشيخ سعود بن محمد بن رشود، والشيخ العلامة سليمان بن عبدالرحمن بن حمدان، رحم الله الجميع. ولا يزال المسجد معموراً بالذكر والصلوات، والمحافظة عليه حسياً والقيام بما يتطلبه. ويؤكد المزعل أن من المساجد الأثرية التي لا تزال باقية مسجد «باب البر»، الذي أمر ببنائه الإمام فيصل بن تركي رحمه الله، وآخر عمارة له كانت على نفقة الملك سعود رحمه الله، ولا يزال المسجد قائماً وتؤدى فيه الصلوات. كذلك يقف «مسجد الحزم» ضمن قائمة المساجد الأثرية، وآخر عمارة له كانت عام 1357ه، ومن أئمته: محمد بن علي بن دخان، والشيخ أحمد بن عثمان بن أحمد، ثم الشيخ إبراهيم بن عثمان بن أحمد رحم الله الجميع، والمسجد من عام 1399ه صار معطلاً من إقامة الصلوات، لتحول سكان حي الحزم عنه، وبسبب هجره وطول العهد تعرضت بعض أجزائه للخراب، وقام أحد المحسنين بالإنفاق على إصلاحه والعناية به أخيراً. ومن بينها مسجد «الأمير إبراهيم العسكر»، ويسمى مسجد الأمير، ومسجد الحوش، ومسجد الأمراء، ومسجد سليمان العبدالله، والمسجد لا يزال قائماً إلا أنه صار معطلاً من إقامة الصلوات، لتحول سكان حي الحوش عنه، والله المستعان. وكذلك مسجد المرقب، ويسمى مسجد الضبط، وهو من آخر ما عمر بالنسبة إلى ما قبله، واندثر المسجد ضمن إزالة للبيوت القديمة بحي المرقب عام 1406ه. وأوضح الدكتور فهد المزعل أنه توجد مساجد أخرى يصدق عليها أنها قديمة لكن لا تقارن بقدم السابقة، وهي مسجد موافق ويعرف بمسجد باب الجديد، ومسجد ابن صقر، ومسجد سليمان المنصور العسكر والمعروف الآن بمسجد ابن دغفق، ومسجد الظهيرة ويعرف بمسجد الجفرة، ومسجد نقبة ساطورة، ومسجد الجامع الكبير.