«هل تجلب الايام المقبلة العدالة المنتظرة للبنانيين، ام هي مطلب صعب المنال؟»... بهذا التساؤل المفتوح على المستقبل، ينهي المعلّق حسام شبلاق، الشريط الوثائقي «البحث عن قتلة رفيق الحريري»، الذي عرضته قناة «العربية» أخيراً، في ثلاثة أجزاء. ولأن الافلام الوثائقية دأبها الاشتغال على ما مضى من أحداث أو تجارب، استحضاراً وبحثاً وتحرّياً، فطرح تساؤل كهذا يضع الآتي من الأيام ومدى جلبها العدالة للبنانيين من عدمها في نهاية الفيلم، لهو أمر مهم ولافت، إن لم يكن سبقاً في هذا الحقل. ذلك أنه نادراً ما تتناول أشرطة وثائقية أحداثاً لم تكتمل بعد. لذا، فإنّ تناول شريط وثائقي جريمة كبيرة ومهمة هزت لبنان والشرق الأوسط والعالم، وأسفرت عن تداعيات سياسية جذرية، من وزن جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري، وأخذ هذا الشريط «البحث عن قتلة رفيق الحريري» عنواناً له، كل هذا يشي بأنّ الجهد المبذول في هذا العمل، يصبّ في عملية البحث عن القتلة، والسعي نحو العدالة، ليس عبر التوثيق لما جرى وحسب، بل بإضافة الرأي والتحليل له، عبر رصد آراء كل الاطراف المعنيين بهذا الحدث الزلزال، الذي ما فتئت هزاته الارتدادية مستمرة. الرأي والرأي الآخر حاول الفيلم، أخذ وجهات نظر الجانب السوري (السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى)، والرأي السوري المضاد له (النائب السابق للرئيس السوري بشار الاسد عبدالحليم خدام)، ورأي الاطراف اللبنانيين المتباينة (تيار «المستقبل»، «حزب الله»، وليد جنلاط)، والمسؤولين الأمنيين اللبنانيين (اللواء اشرف ريفي، اللواء السابق علي الحاج)، ورأي ديبلوماسيين ومحللين أميركيين، وآراء المحقق السابق ديتليف ميليس، والمدّعي العام للمحكمة الدولية التي ستقاضي المتهمين القاضي دانيال بلمار. كما رصد آراء بعض ضحايا التفجيرات التي استهدفت النخب السياسية والاعلامية اللبنانية، كالوزير السابق مروان حماده والاعلامية اللبنانية مي شدياق. كل ذلك، اثناء سرد قصة الجريمة الكبرى وما تلاها من جرائم اغتيال اخرى، وبدء التحقيق الدولي، والظروف المحلية اللبنانية والاقليمية التي رافقته، من حرب تموز 2006، وسيطرة «حزب الله» على بيروت، وتعطيل حكومة فؤاد السنيورة وتعليق البرلمان، وهجوم الجيش اللبناني على تنظيم «فتح الاسلام» في مخيم نهر البارد، واسقاط حكومة سعد الحريري، وصولاً لإصدار المدعي العام للمحكمة، القرار الاتهامي الظني بحق اربعة عناصر من «حزب الله». وبهذا، لخص الفيلم سيرة الاعوام السبعة الاخيرة من تاريخ لبنان، عبر ترتيب وحبكة بوليسية احترافية، عززتها الموسيقى التصويرية ل«اوديو نيوتوركز» بإتقان. واستفاد الفيلم في ترتيب مادته البصرية وتنسيقها، من مصادر ارشيفية عدة، منها «بي بي سي»، «العربية»، «تلفزيون المستقبل»، «اي بي ارشيف»، مجلة «ديرشبيغل»، وكالة «رويترز»، «يو ان تي في» وأرشيف كمال مدحت، نائب مسؤول منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. نجاح... ولكن أتى هذا الوثائقي ناجحاً بكل المقاييس، وإذا كانت هناك ثغرة يمكن تسجليها عليه، فهي عدم اشارته الى النظرة الاسرائيلية ايضاً، أو عدم رصده ما اذا كانت لجنة التحقيق حققت مع مسؤولين اسرائيليين أم لا، بخاصة إن الفيلم تناول اتهام زعيم «حزب الله» السيد حسن نصرالله إسرائيل، وإبرازه تصويراً لطائرات اسرائيلية صوّرت موقع الجريمة قبل حدوثها. أياً يكن الأمر، فإن هذا الفيلم الوثائقي، لمخرجه شارلي سميث وانتاج شركة «أو آر ميديا» لتلفزيون «العربية» (2011)، يبدو انه بدئ العمل فيه سنة 2009 أو قبلها، وبالتالي استغرق هذا الشريط نحو ثلاث سنوات، إن لم يكن أكثر، ذلك ان نائب ممثل منظمة التحرير الفلسطينيّة كمال مدحت، المشارك في الفيلم، اغتيل في آذار (مارس) 2009. من هنا، حين يستغرق شريط وثائقي كل هذه المدّة، فهذا دليل على مدى المجهود الكبير المبذول لتحقيقه. وإذا كانت هذه الجريمة والتحقيقات فيها أعيد انتاجها في فيلم وثائقي، فهذا يعني ان سير المحكمة وتداعياتها يمكن تناولها في أفلام وثائقية أخرى. وأغلب الظن أن القتلة والمتورطين في هذه الجريمة وكل الجرائم التي شهدها لبنان، كانوا في طليعة مشاهدي فيلم «البحث عن قتلة رفيق الحريري»، ذلك انهم الآن طلقاء، ويريدون ان يعرفوا هل وصل التحقيق الدولي أو هذا الفيلم، الى كشف ثغراتهم؟