في عامها الجامعي الثاني، أصبحت مها الفتاة الوحيدة في قسم الهندسة الزراعية بين أكثر من 300 طالب، هم زملاؤها في ذات الدفعة، ذلك أن زميلتها كانت انسحبت من الكلية التي تحقق في كل عام قبول ذكوري كبير مقارنة بالأنثوي، لتدرس بكلية التربية. مها لم تستمر بكلية الزراعة، بجامعة صنعاء، حتى تكمل عامها الدراسي الرابع، إذ عادت إلى وطنها "السودان" بسبب ظروف عمل والدها، لتكمل تعليمها الجامعي هناك في التخصص ذاته الذي انسحبت منه زميلتها رباب، نزولاً عند رغبة أهلها. رباب ليست نموذجاً نادراً بالنسبة إلى حال الفتاة الجامعية في اليمن، فكثيرات يلتحقن بأقسام وكليات لا يرغبن الدراسة فيها، إرضاءً للأب والأخ أو الزوج والأم أحياناً، والذين يحددون مصيرها الدراسي، في وقت مبكر حال موافقتهم على إكمالها تعليمها الجامعي. لذا، فإن وجود عدد كبير من الفتيات مقارنة بالشبان في قسم معين لا يعني بالضرورة استحواذهن عليه، بقدر ما يفيد باضطرارهن الالتحاق به. غير أن إرضاء أولياء الأمور ليس السبب الوحيد – وإن كان الأقوى - وراء وجود الفتيات بنسب كبيرة في أقسام بعينها. ذلك أن لا أهمية للحضور الكامل طوال الفصل الدراسي، لسهولة المنهج، بحسب اعتقاد الطلاب، أو اقتصار فترة الدارسة على 4 سنوات فقط، أسباب إضافية لوجود الفتاة في قسم بعينه، دون آخر. وتأتي أسباب أخرى، مثل الحصول على فرص في التوظيف سريعاً، أو عدم تعارض ساعات الدراسة والتزاماتها مع الواجبات الزوجية المنزلية، والتقدير العام الحاصلة عليه الفتاة في المرحلة الثانوية، وفي أحيان نادرة حرص الفتاة وأهلها على تدريسها مع قريباتها وصديقاتها في الكلية ذاتها. تقول الدكتورة عفاف الحيمي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء إن حضور الفتيات في الأقسام النظرية بكثافة عددية أكبر، لا يعني أنهن يستحوذن عليها. ذلك أن الطلاب أيضاً يسعون للالتحاق بهذه الأقسام، لاعتقاد خاطئ لدى الطالب أو الطالبة الجامعية بعدم أهمية حضوره الدروس واكتفائه بمذاكرة المقرر والجلوس للامتحانات النهائية فقط. وما يعزز ذلك بحسب الدكتورة عفاف، هو عدم اتّباع إدارة الجامعة أسلوب الثواب والعقاب في التعامل مع هؤلاء الطلاب والطالبات على حد سواء. وتضيف د.عفاف: "كما أن المجتمع، الذي ما زالت نظرته قاصرة تجاه الفتاة، يجد أن تخصصات مثل التربية وعلم النفس والاجتماع قريبة من البيت، ومناسبة للأسرة لجهة عدد سنوات دراستها المحدود، وعدم حاجة الفتاة للذهاب إلى الجامعة كل يوم، وبذلك يساهم المجتمع في إعاقة التغيير، كونه يقلص حجم وجود المرأة فيه، وهي القادرة على الالتحاق بأي مجال، كما كانت قادرة على حمل حياة في رحمها لتسعة أشهر". وتتابع: "ويعود رضوخ الفتاة للأمر الواقع، فيما يخص دراستها، للتنشئة الاجتماعية والتي تُعد الفتاة دائما لمشروع واحد هو الزواج. وهنا، لا يفكر الأهل أن هذه الفتاة لم تقض نصف عمرها في الدراسة كي تتزوج وتجلس في البيت، لكن هذا ما يحدث للأسف". إلى ذلك تفسر الأستاذة الجامعية والكاتبة الصحفية، د. سامية الأغبري، وجود الفتيات في الأقسام التطبيقية مثل كلية الطب والعلوم بنسب عالية أو مقاربة لنسب الذكور، لجهة أن الطب مهنه مقبولة اجتماعياً، فالفتاة العاملة في اليمن يراد لها إما أن تكون معلمة وإما طبيبة، وما غير ذلك فليس هناك حاجة لتواجده فيه. وتنوه د. سامية إلى أن الأقسام التي تتخصص فيها الطالبات في هذه الكليات التطبيقية هي أقسام تحافظ على تلك المساحة الفاصلة بين الرجال والنساء، لأننا نجد الفتيات أكثر حضوراً في قسم طب الأسنان مقارنة بقسم الجراحة، وفي قسم البيولوجي أكثر من الجيولوجيا. وبجانب المجتمع تحمل د. الأغبري، والمختصة بالكتابة في الشأن الاجتماعي، وسائل الإعلام المسؤولية الكبيرة في تعاطيها مع المرأة وإظهارها في أدوار محدودة في البيت والعمل، متبعة في ذلك الخطأ ذاته الذي وقعت فيه الكتب التعليمية والمؤسسة الدينية، وغيرها من المؤسسات المجتمعية. وتتفق كلاً من الدكتورة سامية الأغبري والدكتورة عفاف الحيمي على أن ذلك لا يعني أن الفتاة في اليمن، مقتصر وجودها في الكليات على هذه التخصصات وأنها دوماً خاضعة لمنظومة القيم الاجتماعية الظالمة، فهناك "حالات استثنائية" لفتيات استطعن الوصول إلى تخصصات دقيقة وأبرزن فيها. غير أنهن دفعن "ضريبة" بمرور الوقت، وهي خسارتهن الأسرة لجهة وضعهن فيما يسمى بالعزل الجمعي لاختلافهن عن النسيج، لكنهن وبالمقابل حققن وجودهن كنساء مبرزات، وأثبتن نجاحهن في مناطق اقتصرت على الرجال لاعتقاد المجتمع أنها لا تناسب النساء. الطالبات في اليمن ربع مجموع الطلاب 50385 هو عدد الطلاب والطالبات اليمنيين الملتحقين بجامعة صنعاء للعام الدراسي الحالي 2008 - 2009، و14631 منهم فتيات، التحقت منهن 1260 بكلية الطب والعلوم الصحية مقابل 1241 طالب، وفي حين التحقت 544 طالبة بقسم طب الأسنان مقابل 173 طالب، و324 بكلية الهندسة مقابل 2907 طالب، و1076 بكليات العلوم المختلفة أمام 1415 طالب، و3869 طالبة بكلية التجارة مقابل 16251 طالب، في حين حظيت كلية الآداب لوحدها ب5065 طالبة وألتحق بأقسامها هذا العام 2812 طالب فقط، ووصلت إلى مقاعد كلية الزراعة 174 طالبة، مقابل 852 طالب، بينما بلغ عدد الملتحقين بكلية الشريعة والقانون إلى 7645 مقابل 456 فتاة، واستقبلت كلية اللغات 1304 طالبات و931 طالباً فقط، كما بلغ إجمالي الملتحقين من غير اليمنيين بجامعة صنعاء لهذا العام 869 طالب وطالبة. ____________________________ * للعودة إلى "قريباً تخلو الجامعات من الطلاب الذكور!" * للعودة إلى "التمييز الإيجابي إزاء الذكور"