بيوت طينية، فرق شعبية تقدم أهازيج الفرح، نساء يجلسن أمام البيت لخياطة ملبوسات مزركشة... حياة تعيدنا الى الزمن الجميل القديم في كثير من ملامحها في قرية تراثية هي إحدى الأوراق المهمة في نجاحات مهرجان مسقط السنوي منذ انطلاقته الأولى. اللافت أن ملامح هذه الحياة العمانية التقليدية لا تشد الأجانب فقط للتعرف الى أبجديات الحياة في القرى البعيدة أو كالتي كانت في المدن قبل سنوات طوال. إنما تجذب أيضاً أبناء البلد كأنهم يتدفأون بهذه الذكريات التي يستعيدونها في قلب العاصمة مسقط وحديقة القرم الطبيعية الممتدة بين ضفاف الأحياء الراقية وصولاً إلى بحر عُمان. الأطفال لهم حصّتهم أيضاً، إذ يتجمعون في فيء أشجار النخيل بملابسهم العمانية التقليدية، يتأرجحون على وقع أغانٍ تراثية تعيد الزوار إلى سنوات الطفولة والحياة البسيطة بين ألعاب الأمس، حيث الأرجوحة ليست سوى حبل يربط طرفاه بنخلتين أو غصني شجرة سدر، كما تجلس مجموعة من الصبية حول معلمة القرآن يقرأون كتاب الله. وفي تقليد للأفراح فإن مجموعة من النساء يجلسن بزيهن التقليدي ويقدمن أغاني الأعراس كما كانت قديماً، فيما لا زالت بعض القرى يتمسك بهذه الطقوس في مناسبات الزفاف. وفي زوايا القرية المبنيّة من الطين يجلس شباب وراء مراجل الحلوى العمانية، وهي تغلي بمحتوياتها أمام أعين الزوار منتظرين أدوراهم (ليغرف) لهم البائع كمية صغيرة منها ساخنة ولذيذة، وتجاورها صناعات غذائية أخرى تقليدية، ويصادف المار من هناك بائع القهوة العمانية يدور بفناجينه وإبريق القهوة حيث الجمر أسفله كي تظل القهوة مقاومة لبرودة المكان. وتجاور القرية التراثية مجموعة من أنماط الحياة العمانية وهي القرية البدوية حيث يعرض أسلوب معيشة البدو من خلال مجموعة منهم تمت استضافتهم خلال فاعليات المهرجان التي تمتد نحو شهر تقريباً، والقرية الريفية حيث تعرض طبيعة الحياة الزراعية وعلاقة السكان بها والحيوانات التي يستخدمونها للحراثة واستخراج الماء من الآباء العميقة قديماً، وهناك القرية الساحلية وتظهر البحّارة في رحلتهم اليومية وعلاقتهم مع البحر والصيد. ولمزيد من المتعة تتوافر لزائري القرية من الأطفال فرصة امتطاء حمار أو جمل للسير به قليلاً، فيما حداء البدو ينثر حنيناً خالصاً يتجاوب مع الحكايات القديمة لقصص الأمس. كأن المكان ليس في قلب العاصمة، وكأنه على مسافة مئات الكيلومترات عن بحيرة تصخب فيها الموسيقى العالمية مع عروض الليزر والألعاب النارية والكرنفالات العالمية، مع أنها لا تبعد أكثر من مئتي متر. وبدأت في الحديقة قبل يومين فاعليات مهرجان المأكولات العمانية الذي يقام بتنظيم مشترك بين بلدية مسقط وكلية عُمان للسياحة والجمعية العمانية للطهاة وعدد من فنادق الخمس نجوم، وخلال عشرة أيام ستقدم للزوار مجموعة من المطبخ العماني التقليدي ومن أهمها وجبة الشواء، إضافة إلى قائمة عالمية من الأطعمة. وضمن فاعليات القرية التراثية اليومية يقام برنامج «أصالة» التلفزيوني الذي يعتني بالفنون التقليدية للولايات العمانية من خلال استضافة مجموعة من الفاعليات المحلية والفنون المعروفة بها، وتكون ولاية ضيفة لمدة أمسية كاملة يتعرف الزوار الى أهم ما تشتهر به، فمثلاً قدمت ولاية صور أمسية شاركت فيها جمعية المرأة بها، إضافة إلى بعض العادات والتقاليد المتعارف عليها في الولاية باعتبارها بيئة ساحلية مازجت بين الحياة البحرية والجبلية، بخاصة أنها تشتهر بالملابس الصورية المطرزة. ومن العادات المستعرضة في القرية التراثية حرفة الدوس وهي الطريقة القديمة لتنقية الحبوب التي تستمر عادة من الفجر حتى غروب الشمس لاستخلاص الحبوب من الشوائب، بمصاحبة الأغاني القديمة ما يثير الحماسة والقوة للعاملين.