باعتبارها من أكثر الجامعات الأنكلو - فرنكوفونية شهرة في الشمال الأميركي، استضافت جامعة «أوتاوا» (تأسست عام 1868، وتضم 36 ألف طالب وطالبة و4000 استاذ) الكندية، أعمال المؤتمر السنوي السابع والسبعين ل «المؤسسة الفرنكوفونية من أجل المعرفة» Association Fracophone Pour le Savoir المعروفة اختصاراً باسم «أكفاس» Acfas. عقد المؤتمر تحت شعار «العلم بالفرنسية... قضية أساسية»La Science en Francais..Une Affaire Capitale. والمعلوم أن هذه المؤسسة هي منظمة دولية بارزة، تأسست في 1923. وتمثّل اتحاداً لاحدى عشرة مؤسسة في علوم البيولوجيا والطب والفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا والصناعة والرياضيات والفضاء والاقتصاد السياسي والفلسفة وغيرها. الهويات وحضورها علمياً حضر المؤتمر قرابة 5000 باحث ينتمون الى 30 بلداً، الى جانب رؤساء حكومات ووزراء ونواب وباحثين واساتذة وطلاب جامعيين من مختلف انحاء كندا. وغطّت فعالياته وسائل الاعلام العالمية والكندية المسموعة والمرئية والمكتوبة. وقُدّمت فيه 160ورقة علمية تمحورت مضامينها حول تنمية البحوث باللغة الفرنسية وتعميمها، وعقد المؤتمرات العالمية، وتعزيز الحوار بين العلم والمجتمع، ومنح الجوائز المالية والمعنوية للعلماء المتفوقين. ويبدو ان انعقاد المؤتمر في جامعة «أوتاوا»، التي تتقاطع فيها الهويتان الأنكلوفونية والفرنكوفونية، انطوى على دلالات رئيسية عرضتها البروفسورة منى نمر، وهي كندية فرنكوفونية من اصل لبناني ونائبة رئيس دائرة بحوث علوم الخلايا في الجامعة ورئيسة اللجنة المنظمة للمؤتمر. وقالت النمر: «إن المؤتمر لم يسع لنزع الطابع الانكلوفوني الغالب عن الجامعة، لكنه أعاد التأكيد انها فرنكوفونية ايضاً... إنها تضم اكثر من 30 في المئة من الطلاب الفرنكوفونيين، إضافة إلى عدد وافر من الاساتذة الذين يعملون على نصيب وافر من البحوث والنشاطات العلمية في اللغة الفرنسية». وأضافت: «اعتقد ان مؤتمر «أوتاوا» غيّر المشهد التقليدي في الجامعة... ان اللغة الفرنسية ستأخذ مكانتها العلمية الى جانب الانكليزية وتساهم في ترقي التعليم والخدمات الجامعية والحياة الاكاديمية». وأشارت النمر إلى أن المسؤولين الفرنكوفونيين يذهبون الى ابعد من ذلك اذ يعتبرون تعزيز العلوم بالفرنسية وتعميمها داخل الجامعات وخارجها «أولوية قصوى» ينبغي العمل لاجلها والتمسك بها وتكريسها كأمر دائم في شتى الميادين العلمية. ويبدو ان انحسار اللغة الفرنسية في المجالات العلمية لا يقتصر على جامعة اتاوا وحسب وانما ينسحب على دوائر التعليم والبحوث والمؤسسات العالمية بما فيها البلدان المنضوية جزئياً او كلياً في المنظمة الفرنكوفونية، بمعنى ان الانكليزية تبسط هيمنة شبه كاملة على معظم النشاطات العلمية عالمياً. وبوضوح، تحدّث رئيس مؤسسة «أكفاس» عن هذا التراجع غير المبرر قائلاً: «نحن نعترف بأن مكانة العلوم بالفرنسية اهتزت عالمياً... علينا ان نواجه هذا الامر لاعادة الاعتبار الى اللغة الفرنسية للمنظومة الفرنكوفونية ايضاً، باعتبارها شريكاً اساسياً في عولمة العلوم في هذا العصر». وأشار الى ضرورة تغيير المعادلة اللغوية التي تطغى فيها الانكليزية على ما عداها من لغات عالمية في الجامعات ودوائر البحوث العلمية وفي المؤتمرات العالمية، بحيث لا تبقى الفرنسية مثلاً لغة مهمشة وغير حاضرة الا في قطاعات محدودة من العلوم الانسانية. وأضاف: «على رغم مأسوية هذا الواقع، علينا الا نستسلم او نسمح للانكليزية او غيرها بأن تلغي الوجود التاريخي للغة الفرنسية». ويرى ان اللغة الانكليزية فرضت نفسها كلغة اولى على الصعيد العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حين اصبحت الولاياتالمتحدة الاميركية الحاضن الاكبر لها علماً ان مجمل العلوم كانت قبل ذلك تنشر باللغات الالمانية والفرنسية والروسية. ويعتقد ان السنوات المقبلة ستشهد ظهور لغات اخرى يمكن ان تزعزع عرش الانكليزية وتغيرالمشهد اللغوي على الساحة العالمية في اشارة الى تراجع الانكليزية نسبياً لمصلحة بعض اللغات الصاعدة في علوم الكومبيوتر والانترنت والمعلومات. تفاؤل...غير مبرّر توخى المؤتمرون في «أوتاوا» ان يصلوا الى ابعد من شعار «العلوم بالفرنسية». وأكّدوا ان الفرنسية موجودة ولا خوف على مستقبلها وانها ما زالت لغة حية في المحافل الدولية كما في العلوم والفنون والتربية والاداب والفلسفة وغيرها. وتصدرت توصياتهم همّوم من نوع تجميع الباحثين الفرنكوفونيين من مختلف الاختصاصات واجراء مراجعة نقدية جريئة لواقع المؤسسات الفرنكوفونية على مختلف المستويات، بداية من المدارس الابتدائية مروراً بالجامعات ووصولاً الى مراكز البحوث وسائر فروع المعرفة. ورأى بعض المراقبين ان التنافس اللغوي بين المنظومتين الانكلوساكسونية والفرنكوفونية هو امتداد لصراع تاريخي طويل شمل التبشير الديني، وتقاسم النفوذ والسيطرة، بالترغيب حيناً والترهيب حيناً آخر، على المؤسسات التربوية والثقافية والعلمية ليصبح اليوم كما كان الامس جزءاً من التنافس الدولي على تثبيت المواقع السياسية في الخريطة العالمية.