في زمن التحولات والتغيرات، كما يجري في العالم العربي الآن، تكثر المفاصلات والانشطارات حتى بين التيار الواحد، وتتفاقم الادعاءات بالغيرة على الدين والوطن، وكلٌ يدعي وصلاً بليلى .. وليلى تتحول من معشوقة إلى سلعة! تنوعت أساليب المزايدة على مر العصور، فيما مضى حتى الآن، لكنها لم تبرح حقلين أساسيين تدور فيهما رحى هذه المزايدات، هما: الغيرة الدينية والانتماء الوطني. إذ فيهما يكمن أقوى سلاحين يمكن استخدامهما ضد الطرف الآخر المخالف: التكفير والخيانة العظمى. وهما سلاحان كافيان للقضاء على أي خصم، مهما كانت قضيته أو حجته، إذا وجدا من يعبئهما بالرصاص القاتل ثم من يأذن بإطلاق الرصاصة! أما التخويف بالتكفير فهو كفيل بإسكات كل من يريد أن يقول رأياً أو اجتهاداً، إذ هو لا يُسكت المجدّفين أو المناوئين للدين فحسب، بل يسكت ذوي الرأي وأولي النهى من الغيورين على الدين الذين لا يرونه ولا يريدونه صندوقاً مغلقاً مفتاحه في قبضة يد شخص أو جماعة احتكارية واحدة. وأما التخويف بخيانة الوطن فهو السبيل لنبذ ودرء كل أولئك الذين يعبّرون عن حبهم لوطنهم بصدق ونقاء ووضوح ناقد بعيد من المحبة بالتزلف والمديح الدائم. إذ لا النقد الدائم (الناقم) ولا المديح الدائم (المتزلف) يعبران عن الحب الحقيقي للوطن. وحين يتداخل الديني بالوطني نتذكر موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ لم يكن يسأل حذيفة عن قائمة المنافقين الذين أنبأه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأسمائهم، بل كان يسأله فقط هل عدّني الرسول منهم؟ كان منشغلاً عن فحص الآخرين بفحص نفسه، بينما نحن منشغلون بفحص الآخرين عن فحص أنفسنا! يسوق أولئك المعنّفون دلالات قرآنية لتبرير أساليبهم الحربية مع المخالف، بقولهم إن القرآن كان واضحاً وصارماً في وصف المخالفين وتعنيفهم وتصنيفهم بناء على مواقفهم من قضايا الأمة، ثم يوردون مفردات وتعابير قرآنية تخدم الهدف المبتغى عندهم، لكنهم ينسون أو يتناسون شقاً آخر في الخطاب القرآني هو الدليل الأكبر في الرفق الرباني وسماحة الخطاب القرآني مع زعيم المخالفين وكبير الكافرين، إذ يقول الله عز وجل موجهاً النبي موسى وهارون في خطابهما مع فرعون: (فقولا له قولاً «ليّناً» لعله يتذكر أو يخشى). هل كان الله العليم لا يعلم بأن فرعون سيستكبر عن دعوتهما حتى يموت؟! بلى ... كان يعلم عز وجل بذلك، لكن الله أراد أن يبلغنا «رسالة» في التعامل مع المخالف مفادها: أيها المتخالفان لا يمكن أن يكون أحدكما أغير مني على ملكي وأنا الرب، ولا أن يكون الآخر منكما أشد كفراً لي من فرعون!! فهل وعينا الرسالة الربانية في خلافاتنا؟! * كاتب سعودي [email protected] twitter|@ziadaldrees