لن تحل سنة 2050 إلا وتكون مصر قد صعدت الى المركز العشرين في قائمة اقوى مئة اقتصاد عالمي، والمملكة العربية السعودية الى المركز الثاني والعشرين. هذا ما توقع بنك هونغ كونغ وشانغهاي (HSBC) العالمي، وهو بين قلة من المصارف الكبرى التي نجت من الأزمة العالمية المستمرة، ولم يرتبط اسمه بفضائح رجال المال والأعمال الذين أعطوا انفسهم مكافآت مالية بالملايين والبلايين وهم يخسرون استثمارات الناس «الغلابة» مثل القارئ ومثلي. هل تعني سمعة البنك ان نصدق ما يقول؟ أسهل شيء في العالم هو التكهنات البعيدة المدى لأن الذي يطلقها والذي يسمعها يرحلان عن العالم قبل حلول موعدها، وإذا بقيا على قيد الحياة، فكل منهما قد أسنّ حتى نسي اسمه كما نسي اسم الذي توقع وما توقع. في سنة 2050، أتوقع ان تكون أمة العرب دولة ديموقراطية موحدة من المحيط الى الخليج، واقتصادها ينافس الولاياتالمتحدة والصين، ودول اوروبا الفقيرة تقف على بابنا لتتسول اتفاقات اقتصادية تمنحها معاملة الدول الاكثر رعاية، فيما مواطنوها يهاجرون جنوباً الى بلادنا. ليه لأ؟ انا أتوقع هذا بل أصر عليه وأطلب من القارئ ان يعود إليّ في مثل هذا اليوم من سنة 2050 ليواجهني بما كتبت صواباً او خطأ. هذا مجرد هذر، والجد أن توقعاتي السابقة «في المشمش» لأننا اذا اخذنا السنوات الاخيرة دليلاً ومقياساً ومؤشراً، فالأمة تنطلق بسرعة، ولكن نحو الحضيض، اقتصاداً وديموقراطية وحقوقاً مدنية ومساواة بين الجنسين. غير أنني أعود الى البنك وتوقعاته، وفي حين أتمنى ان تصدق، وأنا مستعد أن أنذر النذور وأصلّي وأصوم لتتحقق، فإنني أجد صعباً أن أفهم كيف بنى البنك توقعاته. الدول العشر الاولى سنة 2050 هي على التوالي: الصين ثم الولاياتالمتحدة والهند واليابان وألمانيا وبريطانيا والبرازيل والمكسيك وفرنسا وكندا عاشرة. وأتوقف عند المكسيك، فهي اليوم تخوض حرب مصير ضد عصابات المخدرات التي يبدو انها اقوى من الشرطة والجيش، وتقتل من تشاء ساعة تشاء وأين تشاء، ومن ضحاياها كبار رجال الأمن والدولة. كيف ستتغلب المكسيك على كل هذه السلبيات لتحتل المركز الثامن في جداول الاقتصاد العالمي؟ شخصياً، ليس عندي جواب، والمراكز العشرة التالية تبدأ بإيطاليا المفلسة اليوم في المركز الحادي عشر، وبعدها تركيا وكوريا الجنوبية وإسبانيا وروسيا والفيليبين وإندونيسيا وأستراليا والأرجنتين ثم مصر في المركز العشرين. هنا ايضاً «امل حياتي» ان تصبح مصر فعلاً في المركز العشرين، فهي لي «يا حب غالي ما يتنسيش»، ولكن هل سيحدث هذا فعلاً؟ جانب الديموغرافيا، او الزيادة السكانية، وهي جزء من الأسس التي يبني عليها البنك توقعاته، صحيح، غير ان الاقتصاد المصري اليوم يعاني من ازمة هائلة، والتعليم سيئ، وإصلاحه قد يحتاج الى اربعين سنة قبل ان نبدأ جني الفوائد بعدها. مع ذلك، البنك اياه صاحب السمعة الطيبة النادرة بين البنوك يرى مصر في المركز العشرين سنة 2050 والمملكة العربية السعودية (22) والجزائر (34) والإمارات العربية المتحدة (46) والكويت (54) والمغرب (55) وليبيا (58) وسورية (63) وتونس (67) ولبنان (69) وعمان (72) والعراق (77) وقطر (78) والأردن (79) والبحرين (93) واليمن (98). أشكر البنك لأنني اجد ان ثقته فينا اكبر من ثقتنا بأنفسنا، ثم اطلب من القارئ ألا ينام على حرير الوعد ويعتقد ان جيل أبنائه سينعم بما حرمنا منه، فقد لاحظت وأنا أراجع الارقام التي توكأت عليها هنا، وهي تعود لسنة 2011 ان بعضها يختلف كثيراً عن توقعات البنك نفسه سنة 2010، ففي سنة واحدة صعدت الفيليبين 27 مركزاً لتحتل مركزها الحالي (16) ومصر 15 مركزاً (20 كما ذكرت) وماليزيا 17 مركزاً (21) وبيرو 20 مركزاً (26) وهكذا. ما هي المراكز بعد سنة؟ الجواب سيكون عند البنك. «كل طلعة وراها نزلة»، كما نقول، ولكن أرجو ان تصدق توقعات البنك ويخطئ المثل الشعبي. [email protected]