لو كان شخصاً آخر، لأشفقت عليه، لكن مع نوري المالكي تحديداً لا يمكنني ذلك، بل أجد نفسي مستمتعاً وأنا أراه يتقلص يوماً بعد يوم، أما لماذا؟ فلأنني ما زلت عند قناعتي بأن الرجل الذي كان يحلم أن يدير منزلاً حتى وقت قريب، ووجد نفسه يدير دولة بتاريخ وحضارة لا يتمكن عقله من استيعابها، ما زال يعتقد أنه يدير تنظيماً إرهابياً (الدعوة)، ولم يتمكن حتى الآن من التعايش مع واقعه الجديد الذي أصبح عليه. فهذا الرجل أدمن حياة العصابات، وعبثاً حاولت أميركا إخراجه من هذه الشرنقة لكن كعادتها فشلت، فمن شب على شيء شاب عليه. عراق المالكي الذي يسبق دول المنطقة ديموقراطياً بعشر سنوات على الأقل، على حد قولهم، أعد العدة من تجهيز فنادق ومقرات وطباعة أوراق لزعامة عربية لمدة عام من خلال عقد مؤتمر القمة العربي، المقرر في ال29 من شهر آذار (مارس) المقبل، والمالكي خرج بتفاؤله ليؤكد أن القمة العربية ستعقد على أعلى مستوى! تُرى، عن أي مستوى يتحدث المالكي، والدول العربية تعيش ربيعها المزعوم، بعضها ينتخب والآخر ينتحب؟ وأي مستوى تمثيل عربي على استعداد لإلقاء نفسه في حضانة دولة رئيس وزرائها الذي يروج لها لا يضمن عودته إلى مقره سالماً إذا خرج في شوارعها؟ وحتى لم يتمكن من متابعة تحضيراتها تحسباً من اغتياله، وأي مستوى يتوقع أن يحضر القمة والعراق يقف على النقيض تماماً من المواقف العربية في ما يخص الشعب السوري ويبارك إبادته رداً على جميل الأسد في إعادته لمنصبه؟ وأخيرا، أي تمثيل سيوافق على تسليم الزعامة العربية إلى دولة ترتمي في الأحضان الإيرانية وتروج وتسوق وتدافع عنها ولا تتخذ قرارها إلا بمباركتها؟ كان على العراق أن يحسم أمره مبكراً، فلا يكتفِ بجهود تجهيز المقرات وخلافه المكلفة، بل كان من الأولى بذل جهود ديبلوماسية لإظهار عروبته، طبعاً لا يوجد من يشكك في عروبة العراق كدولة، ولن يكون العراق إلا عربياً، لكن الحديث هنا عن السعي لفرسنته ومباركة تسليم قراره لإيران. نعم، هل هناك عربي يقبل اليوم أن يصاغ القرار العربي تحت إشراف إيراني، مع ما تصدره هذه الأخيرة من مظاهر عداء وفتن وأزمات؟ بالتأكيد لن يقبل بذلك أي مواطن شريف، وأيضاً، كيف سيتعامل العراق إذا تقلد الزعامة العربية مع الملفات العربية الشائكة؟ وهو الذي يخالف الإجماع العربي على الدوام، لا لمصالح أمته ولكن سعياً لإرضاء طهران والتمسح بها لنيل بركات فقيهها. البوادر الأولى للقمة العربية ظهرت مبكراً، إذا استبعدت البحرين على لسان وزير خارجيتها خالد آل خليفة المشاركة، لأسباب تعود إلى المواقف العراقية مما يحدث في بلاده والتدخل في شؤونها، ورغم الغضبة التي أبداها العراق مقابل تلك التصريحات التي أجدها منطقية، على المالكي ورفاقه ألا يستبعدوا المزيد من هذه المواقف لأسباب هم يدركونها قبل غيرهم. شخصياً، لا أعتقد أن القمة مرشحة لأي نجاح، بل إنني أتنبأ بفشلها مسبقاً، إذا عقدت ولم يتم تأجيلها، لأسباب رئيسة تعود لإخفاق الساسة العراقيين في إدراك حجم بلادهم وثقلها، وبالتالي مصادرة قراراتها وإبقاؤها في يد طهران المحاصرة بأزماتها الداخلية، ما انعكس على علاقاتها مع محيطها العربي، حتى وإن أراد المالكي إثبات حسن نواياه، لا سيما مع دول مجلس التعاون الخليجي الأكثر استقراراً في عاصفة الربيع العربي، فإنه لا تكفي الدعوة ورطب الكلام وإعداد المقرات لاستمالة هذه الدول، فيما يواصل حملاته السياسية والإعلامية وحتى الطائفية ضدها، وينتقص من قدراتها على غرار أولياء أمره في طهران. العراق العربي هو إرث وتاريخ وحضارة، لكن اليوم وغداً وطالما أنه في يد المالكي وعرَّابوه لا يبدو مستقبله مشجعاً، وإذا كانت بغداد استقبلت قمتين عربيتين كانت مفصلية في تاريخ الأمة العربية، فالأرجح أن القمة الثالثة التي لا يبدو أن توقيتها سيزيدها إلا عجزاً، لن تخرج عن قمة تعارف وتناول بعض المرطبات والكب كيك ومشاهدة الألعاب النارية في شوارع بغداد! [email protected] @Saud_alrayes