يقول الناقد السينمائي إبراهيم العريس في مقدمة كتاب ندى الأزهري «السينما الإيرانية الراهنة» الصادر حديثاً عن «دار المدى»: «لا شك في أنه سيكون فريداً في المكتبة العربية، للتعرف عبر نظرة عربية، إنما من الداخل، إلى سينما مجاورة، غنية، متنوعة، إنسانية، لم يعد ممكناً لنا أن ننظر إليها، فقط عبر المرشح الأوروبي، كما فعلنا حتى الآن». من الواضح أن الناقد العريس يكثف بهذا فكرة أو مضمون الكتاب، الذي يمثّل مسحاً لواقع سينما فرضت حضوراً قوياً في المشهد السينمائي العالمي، نظرة من الداخل نقف معها عند أساليب ورؤى وانشغالات ورموز، لهذا الفن. الكتاب لا يدّعي «الإحاطة بكل شيء» ومضمونه أقرب إلى مشاهدات رحالة منه إلى بحث جغرافي أو إحصائي... فمثلما يتوقف الكتاب عند تجربة مخرجين يتمتعون بسمعة عالمية، نراه بالقدر نفسه يولي اهتماماً بمخرجين لم يحظوا بالاهتمام العالمي نفسه وإن كانت أعمالهم لا تقل قيمة عن أعمال النجوم... إضافة إلى إضاءات على تجارب مخرجات ملتزمات بقضايا اجتماعية، وعن علاقة السينما الإيرانية بالمتغيرات السياسية والاجتماعية في إيران، ومتابعة لآراء نقاد على معرفة وثيقة بالسينما الإيرانية. في الفصل الأول من الكتاب والمعنون «مخرجون على حدة» ألقت الأزهري الضوء على اثنين من المخرجين المخضرمين أسهما بدور كبير في صنع مجد السينما الإيرانية الحديثة، عباس كياروستامي، وأمير نادري، من خلال حوارين تتجلى بهما تجاربهما في السينما على مدى العقود الثلاثة الأخيرة فصاحب «طعم الكرز»، و»أين منزل الصديق؟» الذي استقبل «بأذرع مفتوحة في الغرب.. وكان مصدر فخر وإعجاب من الشباب في إيران» قوبل بشيء من التحفظ في بلده، يرى أن النقد يقف ضده «ولكن ليس الجمهور». بينما يرى أمير نادري المقيم في أميركا منذ أكثر من ثلاثين عاماً، أنه أحضر تجربته معه من إيران، «واستغرق مني العبور زمناً طويلاً، لأكون نيويوركياً في كل شيء». سيرة نادري الذاتية لخصتها أفلامه «الأعداء»، و «ماء ، ريح ، تراب» وغيرها... وهو من يقول عن بطل «العداء» «إنها طفولتي أنا، لقد عشت في سفينة مهجورة». في فصل «نساء في السينما الإيرانية» تقف الأزهري عند اثنتين من الجيل الثاني من المخرجات الإيرانيات، رخشان بني اعتماد، وتهمينة ميلاني، والأخيرة تعد الأكثر نجاحاً وشهرة داخل بلادها وخارجها، ولأفلامها حماسة جماهيرية داخل إيران. ويكفي أن فيلمها «امرأتان» شارك في أربعة وثلاثين مهرجاناً.. ومن خلال تجربة نيكي كريمي ومانيا اكبري في الفصل نفسه، يستعرض الكتاب تجربة المخرجة/ الممثلة. وتلخص نيكي كريمي هذه التجربة بالقول: «لم أكن أرى في التمثيل عملاً خلاقاً.. أردت تحقيق الفيلم الذي يمنحني أنا شخصياً الرغبة في رؤيته» .. وفي هذا الفصل أيضاً تقف الأزهري عند ممثلة مثل ليلى حاتمي التي فازت أخيراً بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان برلين الأخير تحت إدارة المخرج أصغر فرهادي في فيلم «انفصال نادر وسيمين» وكذلك الممثلة فاطمة معتمد آريا. وتختار المؤلفة المخرجين جعفر باناهي، وأبو الفضل جليلي، كمخرجين «خارج السرب» وهو عنوان الفصل الثالث من الكتاب، فالأول يقضي عقوبة السجن والمنع من ممارسة العمل السينمائي لأكثر من عشرين عاماً، فيما الثاني عرضت غالبية أفلامه في إيران. وفي الفصل المعنون «مخرجون شباب» يستعرض الكتاب من خلال مقابلتين، تجربتي المخرجين رفيع بيتز، وأصغر فرهادي... والأخير كان ممثلاً بارزاً للسينما الإيرانية في المهرجانات الدولية خلال عام 2011، حيث استطاع فيلمه «انفصال نادر وسيمين» أن يعتلي منصات الفوز في غير مهرجان سينمائي وأهمها كان فوزه بجائزة لجنة التحكيم في البرلينالة الأخير، وهو سبق لم يحققه أي فيلم إيراني من قبل... ويمضي الكتاب في فصوله الأخرى في متابعة آراء نقاد على اطلاع على شؤون هذه السينما وكذلك علاقة هذه السينما بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية، ولا سيما من خلال مهرجان فجر وهو المهرجان الرئيس للسينما في إيران... وأيضاً علاقة السينما بالرقابة والمؤسسات السينمائية... وأخيراً تختار المؤلفة ثلاثة أفلام تشكل علامات بارزة في مسيرة هذه السينما وهي «المطرودون» لمسعود ده نمكي، و «كتاب قانون» لمزيار ميري و «باسيج» لمهران تمدن... لتعتبرها أفلاماً تمثل تعبيراً حقيقياً عن خواص هذه السينما في العقود الثلاثة الأخيرة.