مقارنة بمثيلاتها التي شهدت احتجاجات مماثلة، تميزت الأزمة السورية بطول أمدها من دون أن تظهر حتى الآن بعد ما يقارب السنة أية إرهاصات أو مؤشرات من شأنها أن تُكوّن رؤية واضحة لما ستؤول إليه الأمور. في الحالة الليبية كان واضحاً منذ تدخل «الناتو» أن سقوط القذافي هو مسألة وقت ليس إلا، وفي اللحظة التي خرجت فيها المبادرة الخليجية إلى النور بدا واضحاً أيضا أن مسألة مغادرة علي عبدالله صالح الرئاسة هي مسألة وقت رغم المعوقات التي تعترض عملية التنحي، لكن في الحالة السورية ظلت الأزمة مستعصية، والعقدة قائمة، والرؤية ضبابية، في ظل استحالة التدخل الخارجي واستحالة الحسم العسكري داخلياً. لكن منذ فترة بدأت تظهر متغيرات داخلية وخارجية لم تكتمل معالمها بعد، لكنها ربما تشكل بداية تحول في مسار الأزمة السورية: - بعد أشهر طويلة من الحملة الأمنية والعسكرية الكبيرة التي لم يستطع النظام من خلالها حسم الصراع على الأرض، بدأنا نسمع ونشاهد ضربات يوجهها «الجيش السوري الحر» بمساعدة مدنيين في بعض المناطق ضد القوى الأمنية والعسكرية. واستطاع هذا الجيش السيطرة على بعض المناطق والانسحاب منها بفعل الهجوم المضاد الذي شنته القوات العسكرية النظامية أو في إطار تكتيك عسكري (الكر والفر)، وبلغت هذه العمليات ذروتها حين استطاعت عناصر من «الجيش الحر» السيطرة على بعض المناطق في الضواحي الشرقيةلدمشق، بحيث تحولت حمورية وسقبا وزملكا والغوطة، وبعض المناطق في ريف دمشق (حرستا، دوما، رنكوس، الزبداني، وادي بردى) إلى بؤر معارك بين الطرفين. وتواترت معلومات متضاربة يصعب التأكد منها، ويبدو بعضها مبالغ فيه، كنجاح «الجيش السوري الحر» في منع زوجة الرئيس الأسد ووالدته من الوصول إلى المطار، إلا أن هذه المعلومات تعطي مؤشراً على تزايد حجم العمليات التي يقوم بها هذا الجيش على أبواب دمشق. كما بدأت تتواتر أخبار تقول إن مدينة حلب ثاني أكبر مدن سورية دخلت على خط الاحتجاجات، وإذا توسعت هذه الاحتجاجات فإن وضعاً جديداً سيطرأ على مسار الأزمة لأهمية هذه المدينة من الناحية الديموغرافية والاقتصادية. - مع طرح الجامعة العربية مبادرة لنقل صلاحيات الرئيس السوري إلى نائبه وتشكيل حكومة وفاق وطني خلال شهرين، تكون المنظومة العربية قد أنهت بذلك مرحلة الضغط على النظام السوري لوقف العنف وإيجاد حلول سياسية للأزمة، إلى التفكير في مرحلة ما بعد الأسد. وعلى رغم عدم وجود آليات توضح كيفية تطبيق الخطة العربية عملياً، إلا أنها تشكل صيغة وسطاً يمكن البناء عليها لاحقاً، من حيث أنها تمنع المعارضة من الانتصار الكامل وتحول دون سقوط كامل للنظام. لكن رفض النظام للخطة، دفع المنظومة العربية إلى تشكيل زخم دولي لها عبر نقلها إلى طاولة مجلس الأمن، بعد وصولها إلى مرحلة عدم تحمل ما يجري في سورية. إن وضع الملف على طاولة مجلس الأمن رغم الفيتو الروسي الصيني على مشروع القرار الأوروبي العربي، يعني تحولاً في المسار السياسي للأزمة السورية على مستواها الدولي، ومقدمة لخطوات أخرى تتطلب أسابيع وربما أشهراً لتأخذ صيغة أكثر قوة وإلزاماً تجاه سورية. أول هذه التحولات السياسية، ما أعلنته المعارضة السورية، وما أعلنه الرئيس الفرنسي عن تشكيل مجموعة اتصال بشأن سورية من أجل التوصل إلى حل للازمة بعيداً عن روسيا والصين. وثاني هذه التحولات، دخول موسكو بقوة على خط الأزمة داخلياً، فبعد ضغطها على النظام السوري للقبول بإجراء حوار مع المعارضة (رفضته الأخيرة) جاءت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومدير الاستخبارات الخارجية ميخائيل فرادكوف إلى سورية للقاء الرئيس بشار الأسد. وبطبيعة الحال لم يأتِ المسؤولان الروسيان إلى دمشق ليقولا للنظام إن موسكو معكم إلى النهاية. إن زيارتهما تعني أن القيادة الروسية بدأت تدرك تماماً أن مرحلة جديدة من الضغوط الغربية قد بدأت، وإن تغيرات سياسية يجب أن تطبق في سورية، لكن هل بقي في عاصمة الأمويين من يرى أن الأزمة داخلية صرفة وليست مؤامرة خارجية؟ * كاتب وإعلامي سوري