مع اتساع مظاهر الاضطراب والعنف تزداد معاناة الأطفال في سورية، وتشتد صعوبة الظروف المؤثرة في أمنهم واستقرارهم، والتي تنعكس في شكل كبير على صحتهم ونموهم كما تجعلهم أكثر عرضة للأذى والأخطار. وفي حين ينشغل الجميع بتفاصيل الأحداث في البلاد وتطوراتها، يبدو الطفل وكأنه يعارك مصيره وحيداً ويسقط من سلّم الأولويات والاهتمامات من دون اكتراث بخصوصية أمن الأطفال أو بتأمين متطلباتهم الأساسية وفي شكل خاص في المناطق الساخنة، وهم يواجهون بأجسادهم النحيلة شروطاً قاسية لا تتناسب واحتياجاتهم المُلحّة. تتعرض حقوق الطفل، أولاً في البقاء، وثانياً في النمو والحماية والمشاركة، للانتهاك ولأخطار كبيرة في حالات الطوارئ والأزمات الإنسانية التي تحدث فترات الثورات أو الحروب أو الكوارث الطبيعية، ومن أكثر هذه الأخطار شيوعاً تدني مستوى التغذية وتدهور صحة الطفل. ومن المفترض أن تبقى حماية الطفل وتوفير حاجاته في ظل ّوجود أزمة مجتمعية ذات أولوية مطلقة كما هي الحال في العديد من البلدان التي تنظر إلى حقوق الأطفال كأول المسلمات التي لا يجوز المساس بها في أي حال من الأحوال. ينتمي الطفل السوري إلى مجتمع يعاني أصلاً من نسبة فقر وبطالة مرتفعة تؤثر على مستوى التعليم والعناية الصحية المقدمة له، ويزداد الأمر سوءاً في ظلّ تعطيل الخدمات الضرورية التي تتأثر بما خلّفته أزمة البلاد الراهنة من صعوبة في تأمين أساسات العيش بدءاً بالماء والغذاء والدواء، من دون الانتهاء بالوقود والكهرباء، وما تتركه من آثار سلبية على كل ناحية من نواحي الحياة، من عمل المستشفيات والخدمات الصحية. ومن القدرة على تأمين المواد الغذائية الضرورية لنمو الطفل الجسدي والذهني، وصولاً إلى صعوبة وربما استحالة الوصول إلى المراكز الصحية وتأمين اللقاحات اللازمة للأطفال الصغار لوقايتهم من أمراض مستقبلية قاسية قد طواها الزمن كشلل الأطفال وغيره. ويقع الطفل الذي لم يكتمل نموه البدني والنفسي والعاطفي، في أوقات الأزمات، ضحية ظروف عدوانية لا توفر له الشروط للنجاة والدفاع عن النفس فضلاً عن أخطار العنف والموت والصدمات التي تترك آثاراً أليمة قد تستمر لجيل كامل مولِّدة مشكلات نفسية عميقة تحتاج للمعالجة السريعة. من الأم الى الطفل وبالإضافة إلى المعاناة النفسية تؤثر ظروف الطوارئ على نمو الطفل ومستوى تطوره البدني إذ يعتبر تأمين الغذاء وفي شكل خاص المواد الحيوية، من أهم العوامل التي تؤثر في النمو، وفي حال عدم توافرها أو إذا كانت غير مناسبة لحاجات جسم الصغير ولعمره، يؤدي ذلك إلى اتساع الظواهر السلبية الناجمة عن سوء التغذية من تباطؤ النمو إلى غيره من الأمراض المؤذية، هذا طبعاً في حال نجاة الطفل من العنف الأعمى أساساً. ويقف سوء التغذية وراء 35 في المئة من الأمراض التي تصيب الأطفال دون سن الخامسة. وتعتبر تغذية الرضّع وصغار الأطفال دعامة أساسية لتعزيز نموهم في شكل صحي وخفض معدلات الوفيات عبر الحدّ من أخطار الإصابة بالأمراض المزمنة وتحسين نمو الطفل عموماً، إذ يلعب الإرضاع الطبيعي دوراً مهماً جداً في نمو الطفل السليم. ويبقى السؤال هنا عن مصير وأحوال الأطفال في المناطق الساخنة التي تعاني من الاضطراب والعنف وانهيار في البنية التحتية والخدماتية الأساسية، وحتى شحّ في مياه الشرب النظيفة، وتلوث ما يتوافر من طعام، حيث تُصاب كثيرات من الأمهات بسوء التغذية والأمراض المختلفة ويغدون غير قادرات على إدرار الحليب لإرضاع أطفالهن، ناهيك بأنهن يعشن تحت وطأة الخوف الشديد والهم والقلق مع أصوات الرصاص والانفجارات، ويصعب عليهن أيضاً توفير الحليب الاصطناعي للتعويض، عن القيمة الغذائية التي تترافق مع حليب الأم. وتنص اتفاقية حقوق الطفل على أنه «يجب أن يتمتع الطفل بحماية خاصة، وأن تمنح له الفرص والتسهيلات اللازمة لنموه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نمواً طبيعياً وسليماً في جوّ من الحرية والكرامة». وتستند الاتفاقية إلى أنظمة قانونية وتقاليد ثقافية متنوعة تشكّل مجموعة من المعايير والالتزامات المتفق عليها عالمياً وغير الخاضعة للتفاوض أو لأي شرط، بل تشكّل بدورها الحد الأدنى من الاستحقاقات والحريات التي يجب على الحكومات احترامها.