يعانون من فقر حطم أحلامهم، لكنهم أثرى أثرياء العالم إن كان الرصيد يحسب بأمجاد كرة القدم. بالأمس كتبت نهايتهم في كل شيء، جمعوا الفقر بأمجاد الكرة، فاستضافوا مونديالها الأهم، فالتهم الفقر مجدهم، ودّعت البرازيل كأس العالم، ملطخة بعار هزيمة، ومحملة بأثقال 14 بليون دولار ذهبت أدراج الرياح. كأن المونديال تلمس رفضهم لهم فقرر معاقبتهم، 14 هدفاً أكثر من نصفها جاء في مباراة واحدة هي حصيلة البرازيل من مونديال كأس العالم، هزيمة هي الأثقل في تاريخهم أمام المنتخب الألماني في نصف النهائي لم تكتب نهاية الكوارث، لتعقبها ثلاثية مبكية أمام هولندا رمتهم في المركز الرابع بين جماهيرهم، هموم كثيرة خلفها المونديال وراءه للبرازيل، وهو يودع بلاد السامبا ببرود يستعد به للقاء روسيا بعد أربعة أعوام. ولأن كرة القدم التي صنعت أعوامهم قررت معاقبتهم وحرمتهم من كل شيء، فحتى لقب هداف المونديال التاريخي الذي استأثر به البرازيلي رونالدو لأعوام، خسره لمصلحة الألماني كلوزه الذي نجح في كسر الرقم القياسي بعد تسجيله الهدف ال16 في المونديال وفي المرمى البرازيلي. ربما أن الأحزان فاقت الأفراح هذه المرة، منتخبات كثيرة عرفت المجد في بلاد السامبا، لكن مثلها أو أكثر لا يربطهم بالمونديال سوى قصص خيبة لاذعة ستظل تلاحقهم، على رأسهم حامل اللقب سابقاً المنتخب الإسباني الذي استقبلت شباك حارسه الفذ إيكر كاسياس سبعة أهداف في مباراتين فقط، قبل أن يودع البطولة بفوز شرفي بثلاثة أهداف في المرمى الأسترالي. الحال ذاتها تنطبق على المنتخب الإيطالي الذي غادر البطولة من الباب الضيق في دور المجموعات، مرافقاً المنتخب الإنكليزي في مجموعة انطلق منها المنتخب الكوستاريكي ليكتب مجده الخالد بوصوله إلى الدور ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخه، في رواية سيتناقلها الملايين الخمسة من سكان البلاد لأعوام مقبلة. أحداث كثيرة عرفتها بلاد السامبا في 30 يوماً، كل قصص كرة القدم تبلورت هناك، مجد عربي جديد كتبه المنتخب الجزائري بأحرف من ذهب، وهو يجبر الماكينات الألمانية التي دكت البرازيل دكاً على اللجوء إلى الوقت الإضافي بحثاً عن الفوز، وكما عادت حكاية الدراكولا الأوروغواياني للسطح بعد أن عاد سواريز للعض، ليتعرض للعقوبة الأكبر في تاريخ المونديال. لكن المونديال لم يكشف أمراً بوضوح أكثر مما كشف حقيقة الفوارق الفنية الضخمة بين أبناء القارة الصفراء والسمراء ونظرائهم في الأميركيتين وأوروبا، فمنتخبات آسيا كلها ودعت البطولة من الأبواب الضيقة وبهزائم ثقيلة، فيما نجا اثنان فقط من أفريقيا، هما نيجريا والجزائر قبل أن يودعا البطولة في دور ال16، لتستأثر منتخبات أوروبا وأميركا الجنوبية بالأدوار ربع النهائية وما أعقبها، وبحصص متساوية حتى الوصول إلى المباراة النهائية، تلك الفوارق الفنية يفترض أن تفتح الباب أمام أسئلة عدة سترمى في وجه المسؤولين عن الرياضة في القارات الأضعف، لتحتم عليهم العمل وتوفير صورة أفضل عن الرياضة في المنطقة.