تتواصل المشاورات في مجلس الأمن الدولي في نيويورك حول مشروع القرار العربي - الغربي المتعلق بالازمة السورية وذلك وسط استمرار الخلافات بين الدول الغربية والعربية من جهة، وروسيا والصين من جهة اخرى، اللتين ما زالتا ضد تمرير قرار يدعو الرئيس السوري بشار الاسد الى تسليم السلطة إلى نائبه كخطوة لحل الازمة والانتقال إلى نظام ديموقراطي. ومن غير المتوقع ان يجرى أي تصويت في الايام المقبلة على مشروع القرار في شأن سورية، بسبب الخلافات القائمة وعدم التوصل بعد إلى صيغة ترضي الجميع. وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي ورئيس لجنة التنسيق العربية رئيس الحكومة القطرية حمد بن جاسم آل ثاني سلّما المبادرة العربية تجاه سورية رسمياً الى مجلس الأمن على وقع سجال علني مع المندوب السوري في الأممالمتحدةبشار الجعفري. لكن الحضور العربي الرفيع وغير المسبوق لم يكن كافياً حتى الآن لإخراج مجلس الأمن من دائرة الانقسام حول العناصر الأساسية في مشروع القرار العربي - الغربي المقترح وخصوصاً ما يتعلق ب «تكليف الرئيس السوري نائبه بسلطاته كاملة». وقوبلت الخطوة العربية بدعم غربي واسع، فيما تلقتها روسيا بمواصلة التصلب لكن مع استعداد للانخراط في مساومات حول الصيغة المقترحة لمشروع القرار على رغم تجديد طرح استضافة موسكو حواراً سورياً يجمع السلطة والمعارضة، خارج سياق المبادرة العربية. وفي معرض مداخلته أمام المجلس، أشاد بن جاسم بالعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز رداً على انتقاد السفير الروسي فيتالي تشوركين «قرار بعض الدول تعليق مشاركته في بعثة المراقبين العربية في سورية وتجميد عمل البعثة» في ما بعد. وقال بن جاسم إن الملك عبدالله «هو عربي صادق وهو دائماً صريح وحريص على الأمة العربية ويقدمها على نفسه، ولأنه يقدمها على نفسه سحب المراقبين (من سورية) لأنه لا يريد أن يكون شاهد زور». وقال بن جاسم إن القمع في سورية بلغ حدوداً لا يمكن تصورها مشيراً الى قرار مجلس حقوق الإنسان المتضمن أن «السلطات السورية ترتكب انتهاكات ممنهجة قد ترقى الى مستوى جرائم ضد الإنسانية». وطالب مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته لمواجهة «المأساة الإنسانية» وإصدار قرار واضح يدعم المبادرة العربية. وشدد بن جاسم على «أننا لا نطالبكم بتدخل عسكري ولكن نريد ضغطاً اقتصادياً ملموساً لعل النظام السوري يدرك أن لا مفر من تلبية مطالب شعبه، كما أننا لا نهدف إلى تغيير النظام لأن هذا شأن يعود إلى الشعب السوري». وأشار إلى أن جهود جامعة الدول العربية لتسوية الأزمة في سورية ستتواصل «أملاً في أن يتحلى النظام السوري بالحكمة ويدرك أن منهجه في إدارة الحكم لم يعد منسجماً مع منطق العصر». وطالب المجلس باعتماد مشروع القرار الذي قدمه المغرب وإلا «نكون قد وجهنا رسالة خاطئة إلى النظام السوري تشجعه على التمادي في قمع شعبه وهو أمر يقود إلى عواقب وخيمة على السلم والأمن والاستقرار في سورية والمنطقة بأسرها». واستعرض الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي جهود الجامعة حيال الأزمة السورية منذ بدايتها محملاً القيادة السورية مسؤولية طلب الجامعة دعم مجلس الأمن. وحذر من أن الأمر يزداد خطورة وإلحاحاً في سورية ومن أن ازدياد العنف وتفاقم الوضع في سورية سببه «تصعيد الحكومة السورية الخيار الأمني بما يتعارض مع الالتزامات المنصوص عليها في خطة العمل العربية التي وافقت عليها سورية». وقال إن «الأولوية الآن أن يصدر قرار عن مجلس الأمن يطالب جميع الأطراف بوقف العنف ويعمل على حل سياسي للأزمة». وشدد على أن «الهدف الفوري من المبادرة العربية وقف العنف والانتقال الى ديموقراطية حقيقية تؤكد سيادة القانون والتداول السلمي للسلطة». وقال إن الجامعة حريصة على «معالجة الأزمة السورية في إطار العمل العربي وتجنب أي تدخل خارجي وبالذات التدخل العسكري». ودعا مجلس الأمن الى إقرار مشروع القرار الذي اقترحه المغرب دعماً للمبادرة العربية. وأجمع وزراء خارجية الولاياتالمتحدة هيلاري كلينتون وبريطانيا وليام هيغ وفرنسا آلان جوبيه على ضرورة تبني مجلس الأمن سريعاً مشروع القرار لدعم المبادرة العربية، محاولين طمأنة روسيا الى أن الوضع في سورية مختلف عما كانه في ليبيا قبيل صدور قرار مجلس الأمن 1973 وهو ما أوضحته كلينتون بالقول: «لن تكون هناك ليبيا أخرى». وقالت كلينتون: «سنواصل الجهود في الأيام المقبلة للتوصل الى اتفاق على مشروع قرار يوجه رسالة واضحة الى الأسد ونظامه». وشددت على ضرورة دعم المبادرة العربية وعلى عدم وجود أي «سعي الى تدخل عسكري وهذه أزمة يجب أن تحل سلمياً وعلى الأسد أن يرحل ويتيح لآخرين البدء في عملية انتقالية سياسية تؤدي الى انتخابات وتلبي تطلعات الشعب السوري». وأضافت أنها ستجري محادثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف في شأن سورية «وفي النهاية على كل من أعضاء مجلس الأمن أن يختار إما الوقوف الى جانب الشعب السوري أو الى جانب مواصلة القتل». وقال هيغ إن الطريق الى الحل هو «دعم المبادرة العربية وهذا ليس طرحاً غربياً بل خطة وضعها قادة العالم العربي ليحدد الشعب السوري مستقبله وعلى كل أعضاء الأممالمتحدة أن يدعموها. وشدد جوبيه على أن ثمة فرصة للأمل بالتوصل الى تبني القرار المقترح في مجلس الأمن، مشيراً الى أن «الموقف الروسي يسمح بالتوصل الى تسوية في الأيام المقبلة». ورداً على ما إذا كانت روسيا تعارض المبادرة العربية في شأن سورية، قال السفير الروسي فيتالي تشوركين إن «سلطة مجلس الأمن ليست الدعوة الى نقل السلطة وليس من مهمات مجلس الأمن تقديم وصفات للدول، لأننا يمكن أن نتابع الوصفات للملوك والرؤساء بالتنحي». وأضاف أن ثمة أمراً مشتركاً بين روسيا وجامعة الدول العربية وهو الحاجة الى الحوار وأن الحكومة والأطراف الأخرى (في سورية) «عليهم أن يتحاوروا، ولهذا جددنا الدعوة الى الحوار في موسكو من دون شروط مسبقة تحضيراً لعملية سياسية تحت رعاية الجامعة العربية». وقال: «يمكننا أن نتوصل الى قرار يمكن ان يكون مفيداً ويعطي الجامعة العربية دوراً رئيساً ويمنحنا الفرصة لتشجيع الحوار». واتهم السفير السوري في الأممالمتحدةبشار الجعفري قطر والسعودية بالتآمر على سورية بالتعاون مع الدول الغربية. وقال أمام مجلس الأمن إن «لجوء الجامعة العربية إلى مجلس الأمن للاستقواء على سورية يخدم مخططات تدميرها»، مشدداً على أن «السوريين يرفضون التدخل الخارجي وسيادة بلدهم عندهم خط احمر». وأكد تمسك القيادة السورية بخطة العمل العربي التي توافقت عليها دمشق مع جامعة الدول العربية معتبراً أن «المبادرة الأخيرة انتهاك للسيادة الوطنية وقرار الجامعة العربية اللجوء إلى مجلس الأمن التفاف على نجاح مهمة المراقبين العرب». واتهم الجعفري قناتي «الجزيرة» و «العربية» «بإشعال الحرائق والفتن والمساهمة في سفك الدماء». وشهدت جلسة مجلس الأمن ردوداً بين العربي وبن جاسم من جهة، والجعفري من جهة أخرى. ورد بن جاسم على اتهام الجعفري لقطر بالمساهمة في قتل آلاف الليبيين والوقوف الى جانب الحلف الأطلسي، وقال ان دول الخليج «فخورة بالوقوف جنباً الى جنب مع إخوتنا العرب الذين يحتاجون مساعدتنا... نريد العمل لإطلاق الديموقراطية في دول العالم ومن بينها سورية».