في الوقت الذي يركض شباب الجامعات في الكويت متطوعين في الحملات الانتخابية مع مرشحيهم لإنجاح العرس الديموقراطي الكويتي، وفي الوقت الذي تنشط جماعات العمل الأهلي بزرع أفكار التنوير الديموقراطي كآلية لخدمة الوطن والمواطنين، والتبرع بتوزيع منشورات توعوية وتثقيفية تحض على الالتزام بالواجب والمشاركة واختيار الأكفأ، هناك في المقابل من يحض على محاربة هذه الديموقراطية وزرع الشك فيها، واعتبارها آلية لزرع الفوضى وتهديد الأمن. نشرت «الوطن» الكويتية على غلاف صفحتها الأخيرة دعاية لا بد أنها باهظة الكلفة لكتاب «الديموقراطية في الميزان» لمؤلفه الشيخ فؤاد الرفاعي، ثم نشرت في اليوم التالي مقابلة معه مفادها أن الديموقراطية شرك، وأن من يترشّح أو يرشّح كافر، وأن الديموقراطية سوسة يجب الخلاص منها. وإن كان قبول مثل هذا الكلام عند البعض هو حماية للديموقراطية على رغم استخدامه لغة التكفير فإن ما حدث يوم الخميس الماضي هو «عظمة» وقفت في حلق الديموقراطية، فقد تعرّضت خيمة المرشح محمد الجويهل في العديلية إلى الحرق من شباب إحدى القبائل جاؤوا يغنون «شبت النار والغايب حضرها»، رداً على هجوم سابق من النائب الجويهل وشتمه لقبيلتهم. الجويهل يخلط بين شتم القبيلة والتلفظ على أبنائها بألفاظ نابية، وبين قضية مزدوجي الجنسية وعدم أحقية دخولهم البرلمان، مستعيناً بأرقام لا تتوافر إلا من لدن جهات أمنية. بعض البرلمانيين رأوا في الحادثة ورقة مزايدة شعبية، وبدلاً من أن يرفعوا الورقة الوطنية ليصبح الوطن فوق الجميع رفعوا ورقة القبيلة خطاً أحمر. بعد الحريق تراجع الخطاب الانتخابي عن حقوق الناس وتحسين معاشهم ومراجعة قوانين التقاعد والنزاهة ومحاكمة المرتشين وتوفير الرعاية السكانية، ليقف فقط عند أمن الوطن ووحدة الوطن. بعض النزهاء من المرشَّحين يصرّون على أن التعايش مع الواقع المتعدد للاختلاف المذهبي والحضري ضرورة وليس خياراً، ويشرحون تاريخ هذا الوجود المتعدد بحسناته ووفائه منذ ما قبل حتى قيام الدولة، ويحمِّلون الحكومة مسؤولية التراخي والغياب وعدم تطبيق قانون تجريم مثيري الفتن ومخالفة قانون الوحدة الوطنية، سواء من يكفّر أو من يحرق أو من يشتم الناس بأسمائهم ويخونهم، ويؤكدون أن وحدة الوطن مطلب الجميع، وأن القانون لا بد فوق الجميع. هذا بالضبط هدف العمليات التخريبية والغوغائية ومن يرعاها، إشغال الناس بالفروقات المرجعية، ووضعهم تحت رعب الخوف من الآخر. والخوف يعتقل التفكير فلا يذهب إلى المستقبل ولا تشغله التنمية، بل إن بعضهم بدأ يكره هذه الديموقراطية التي لا تحضر معها سوى الفوضى وقلة الأخلاق. لكن الكويتيين الذين رأيتهم لا ينقصهم الوعي ولا الوطنية، لا مثيل لحب أهل الكويت لوطنهم ولا لعشقهم للوطنية وفهمهم لها حتى ولو عكرتها بعض المفاهيم الخاطئة الملتفة حول مطالبها الفئوية والشخصية، أطرفها تلك المرأة التي قررت أن تحجب صوتها عن مرشّح لأن والدته لم تعزمها للعرس. ضحت بالعرس الكبير مقابل العرس الصغير. [email protected]