يتعرض قطاع غزة إلى أزمة خانقة غير مسبوقة بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة تمتد أحياناً إلى عشر ساعات خلال اليوم الواحد، ما حدا بمصادر دولية مسؤولة في غزة إلى الإعراب عن مخاوفها من أن استمرار الأزمة من شأنه أن يتسبب بكارثة بيئية. وقالت المصادر ل «الحياة» إن «مشروع الصرف الصحي الذي يعالج مشكلة المجاري في غزة يعتمد في شكل رئيس على الكهرباء»، محذرة من أن نقص الكهرباء وعدم انتظامها سينعكس سلباً على المشروع. وأوضحت أن مدينة خان يونس تعيش فوق بركة كبيرة من المجاري، وأن معظم المشاريع الكبيرة الذي ينفذ بواسطة مؤسسات دولية مانحة، سواء البنك الدولي أم الأوروبيين وغيرهم، تعتمد في شكل أساس على الطاقة. وقالت إن «استمرار نقص الكهرباء كفيل بوقف هذه المشاريع الخدمية». وعزا المدير العام لمصلحة مياه بلديات الساحل منذر شبلاق أزمة الكهرباء في قطاع غزة إلى «عدم إدارتها في شكل مهني، فأصبحت مشكلة ذات طابع سياسي، على رغم أنها قضية إنسانية بالغة الأهمية»، مشيراً إلى رهن البدء في تنفيذ مشروع الربط الثاني للكهرباء بإنجاز المصالحة، وقال: «هناك إشكالية حقيقية في قطاع المياه والصرف الصحي بسبب عدم توافر الكهرباء اللازمة»، مضيفاً أن محطات معالجة مياه المجاري تحتاج إلى طاقة مستمرة على مدار الساعة. وأوضح أن كفاءة المعالجة تدنت إلى مستوى كبير جداً، وقال: «اضطررنا للتخلص من مياه المجاري في البحر»، لافتاً إلى الخسارة الفادحة في القطاعات المختلفة بسبب ذلك. وأضاف إن «هذا الإجراء (ضخ المجاري في البحر) تسبب في تلويث البحر وفقدان الثروة السمكية، ما أثر أيضاً في قطاع السياحة، المكون الاقتصادي الأساسي لغزة، بالإضافة إلى أن المجاري هي مصدر مهم للمياه بعد معالجتها تشكل 40 في المئة». وأضاف: «هذا المصدر فقدناه نتاج اضطرارنا للتخلص من مياه الصرف الصحي». واعتبر أن ذلك يشكل ضرراً أخف من ضرر أكبر، موضحاً أن «الاضطرار للقيام بهذا الإجراء، على رغم أنه يلوّث بحر غزة ويلحق به ضرراً بالغاً، إلا أنه أقل خسارة ... لتفادي حدوث كارثة بيئية في اليابسة». وقال شبلاق: «نعاني من مشكلة حقيقية بسبب انقطاع الكهرباء ترتب على ذلك اشكاليات في القطاعات التي تلمسها الأسر الغزية، سواء على صعيد انقطاع الكهرباء أو على صعيد المياه»، مشيراً إلى أن طاقة محولات الكهرباء محدودة ولا تستطيع أن تعمل ساعات طويلة، بالإضافة إلى أن معظم الأهالي في وضع مادي متدن، وليست لديهم إمكانية شراء محولات للكهرباء. ورأى شبلاق أن الكارثة الكبرى ستحدث في حال إعادة تشغيل المصانع التي دمرت أثناء الحرب على غزة والتي تحتاج إلى طاقة متدفقة، وقال: «المعالجات التي تتم الآن هي مجرد مسكنات لا ترتقي لحل هذه الإشكالية». وقال مسؤول «سلطة الطاقة» في غزة كنعان عبيد إن أزمة الكهرباء هي بسبب محدودية مصادر الكهرباء التي تصل في أقصى حالاتها إلى 217 ميغاواط في القطاع، بينما تبلغ احتياجات القطاع الفعلية إلى نحو 350 ميغاواط، أي بنسبة عجز تصل إلى 35 في المئة (أي 70-100 ميغاواط)، وأن ازدياد الأزمة أخيراً نابع من ازدياد استهلاك المواطنين في ظل موجة البرد. وقال إن مصادر الكهرباء التي تزود قطاع غزة، والتي تصل إلى 217 ميغاواط، منها 120 ميغاواط تأتي من الخطوط الإسرائيلية، مع الإشارة إلى أن هذه النسبة لم تزد عما هو مدون من عام 1967، وليس من المأمول زيادتها في ظل حرص إسرائيل على خنق القطاع وحصار غزة، بالإضافة إلى 80 ميغاواط تنتجها محطة غزة، و17 ميغاواط من الجانب المصري. ورأى عبيد أن المشكلة سياسية بامتياز لأنها ناتجة من رفض «حكومة رام الله» ربط غزة بمنظومة الربط الإقليمي (مع سبع دول عربية) الذي وافقت عليها الجامعة العربية، أو حتى زيادة كمية الكهرباء المصرية المغذية للقطاع، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية تشترط موافقة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وحكومة رام الله للبدء في تنفيذ هذه الإجراءات. ولفت عبيد إلى أن سلطة الطاقة سبق أن اقترحت البدء بتنفيذ البنية التحتية في القطاع كخطوة استباقية لكسب الوقت للإسراع في تنفيذ مشروع الربط الإقليمي ... لكن الممول اشترط أيضاً موافقة مصر، وهو عقبة أخرى أمام حل الأزمة. وطالب عبيد بضرورة اتخاذ قرار سياسي شجاع بالشروع فوراً في إنهاء أزمة الكهرباء التي تتزامن مع فصل الشتاء حيث البرد القارص، وعدم رهن البدء بتنفيذ خطوات المشروع بموافقه الرئيس الفلسطيني نظراً إلى الحاجة الملحة للكهرباء وللأزمة التي تهدد حياة مليون وستمئة مواطن فلسطيني فقط لأنهم يقطنون غزة. واستبعد وزير الكهرباء الفلسطيني عمر كتانة حل أزمة الكهرباء في غزة قريباً نظراً لأن مصادر الطاقة محدودة. وسألته «الحياة» عن مدى إمكان أن تتجاوب الحكومة المصرية مع المطلب الفلسطيني بمد غزة ب 5 ميغاواط كحل سريع وموقت لتجاوز الأزمة الراهنة، فأجاب: «الجانب المصري هو الذي يقرر ذلك»، مشيراً إلى أن هناك موازنة موجودة ومتوافرة لتنفيذ منظومة الربط الإقليمي، لكن نحن هنا في السلطة ننتظر من الجانب المصري الإعلان عن الموافقة للبدء في التنفيذ». وتابع: «الأمر منوط بالجانب المصري، لكن نحن من جانبنا جاهزون». في السياق ذاته، قال مسؤول مصري رفيع في مكتب وزير الكهرباء المصري المهندس حسن يونس إن مصر ليس لديها أي إشكالية بالبدء في تنفيذ مشروع الربط الإقليمي وإمداد غزة بالكهرباء، لكنه أشار إلى أنه في الاجتماعات التي جرت على المستوى الوزاري منذ نحو أسبوعين والتي جمعت بين كل من وزير الكهرباء الفلسطيني والوزير المصري، لم يتم تناول هذا الشأن. وقال ل «الحياة» إن «الجانب الفلسطيني لم يتناول مسألة أزمة الكهرباء في غزة ولم يطلب منا إمدادها بالكهرباء». وأشار إلى «حضور مساعد للوزير الفلسطيني متخصص في شؤون غزة عبدالكريم عابدين الاجتماعات الأخيرة، لكنه لم يطرح علينا طلب إمداد غزه بالكهرباء».