تتراوح أسعار النفط الخام بين 100 و110 دولارات للبرميل، في حين تهيمن سياسة «حافة الهاوية» بين إيران والغرب على السياسة الدولية خلال هذه المرحلة. وهي ليست الأزمة الأولى من نوعها في التاريخ المعاصر، إذ سبقتها «أزمة الصواريخ الكوبية» في تشرين الأول (أكتوبر) 1962، عندما هدد الرئيس الأميركي جون كندي بمهاجمة الصواريخ المحملة أسلحة نووية التي نصبها الاتحاد السوفياتي في كوبا ووجهها نحو الولاياتالمتحدة. لكن بعد أيام عصيبة، قرر الرئيس السوفياتي خروتشوف سحب الصواريخ من كوبا، وانتهت المنازلة الخطرة ما بين العملاقين، بعد أن عاش العالم أياماً عصيبة. لا تختلف سياسة «حافة الهاوية» الناشبة حالياً، من ناحية المبدأ، عن التجربة السابقة. فمن ناحية، تصر إيران على الاستمرار في سياستها النووية، من دون أي تغيير في أولوياتها. بينما تدعي الدول الغربية، ومن ورائها إسرائيل، أن البرنامج عسكري وهدفه إنتاج قنبلة نووية. إلا أن طهران تنفي هذه الادعاءات من دون أن تسمح للدول الغربية بالتأكد من أهداف البرنامج الحقيقية، ما يثير الشكوك حول نواياها. تحاول إيران إبراز قوتها العسكرية في المواجهة الحالية، إما من خلال نشر الأخبار والأفلام الوثائقية عن الصواريخ المتوافرة لديها، أو من خلال استعراض قوتها البحرية، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية. إلا أن الدول الغربية تحركت بسرعة في الرد من خلال إرسال بوارجها العسكرية عبر المضيق لإثبات حقها وقوتها في استعمال هذا الممر الحيوي لعبور النفط الخام إلى أسواق العالم. وتبقى هكذا منازلة مفتوحة، مع تواجد عناصر قوة وضعف عند كل من الطرفين في آن واحد، وتبقى أسعار النفط فوق مستواها الاعتيادي بسبب هذه الظروف غير الطبيعية، ولأسباب اقتصادية بحتة ذات علاقة بعوامل العرض والطلب. فأوروبا على دراية بأن الأزمة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ويتضح أنها مستعدة لدفع هذا الثمن، بينما تعرف إيران تماماً أن من الممكن تعويض صادراتها إلى أوروبا (نحو 400 ألف برميل يومياً) إما من المخزونين الاستراتيجي أو التجاري لدى هذه الدول، أو بشراء النفط من دول أخرى. وهنا أيضاً، يتضح أن إيران مستعدة لتبني سياستها هذه على رغم انعكاساتها السلبية على اقتصادها. هددت إيران بإغلاق المضيق، من دون تحديد فترة زمنية. وهي تعرف جيداً، أن أي إغلاق، ولو لمدة قصيرة جداً يعني تحرك الدول الغربية ضدها، من أجل فتح الممر. أما إغلاقه لفترة طويلة، فهو خطوة سيكون لها ردود فعل أعنف. كما تعرف طهران، أن هناك بدائل كافية لنفوطها، إما من خلال استعمال المخزون الاستراتيجي للدول الصناعية الكافي لمدة شهرين تقريباً في بعض الحالات، أو من خلال زيادة الإنتاج من بعض الدول النفطية، إما لتفادي نقص في الأسواق كما هي السياسة المعروفة للدول النفطية الكبرى، أو للإنتاج بالطاقة القصوى المتوافرة لبعض الدول لانتهاز فرصة النقص في الإمدادات وللاستفادة من ارتفاع الأسعار كما هي الحال في معظم الدول النفطية. وهذا ليس بالجديد في عالم النفط، فقد حاولت إيران الإنتاج بالطاقة القصوى المتوافرة لديها خلال التسعينات للاستفادة من الحصار على النفط العراقي. يبحث مجلس الشورى الإيراني سياسة جديدة هي وقف فوري لصادرات النفط إلى أوروبا، كمحاولة منه لمعاقبة أوروبا قبل حصولها على تعهدات بإمدادات بديلة تعوض ما كانت ستفقده في الأول من تموز (يوليو) كما اتفقت عليه دول الاتحاد الأوروبي. ومن الطبيعي، أن إجراء كهذا سيرفع أسعار النفط الخام، لكن هل سيؤدي إلى تدهور الاقتصاد الأوروبي، كما تعتقد أوساط في طهران؟ هناك شك في ذلك، إذ إن مجمل الصادرات الإيرانية إلى أوروبا محدودة. فهي ليست بالكمية الكبيرة التي لا يمكن تعويضها. طبعاً، وقف النفط عن أوروبا الآن، قد يلحق ضرراً ببعض الدول، بخاصة اليونان، التي تحصل على خصومات عالية من إيران. لكن من الممكن تعويض هذا النفط من دول أخرى، أو بمساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي. لكن، كما ستكون الحال صعبة لأوروبا، فستكون صعبة أيضاً على إيران. وبالفعل، هناك ثمن اقتصادي فادح تدفعه إيران لسياسة الهاوية هذه. فقد تراجع الريال بأسعار قياسية، حتى قبل تنفيذ العقوبات، وخسر نصف قيمته نتيجة سياسة وقف تدفق الدولارات عن إيران، التي هي النتيجة المبتغاة من سياسة الحصار. نشير هنا إلى أن سياسة «حافة الهاوية» ليست السبب الوحيد لارتفاع الأسعار خلال العامين الماضي والحالي. فقد حصل نقص مهم في الإمدادات من ليبيا، كما انخفض إنتاج كل من سورية واليمن، بعد الربيع العربي. لكن الأهم هو تخوف الأسواق من توسع رقعة الربيع العربي إلى دول منتجة أخرى، ومن ثم حدوث نقص خطير في الإمدادات. ومن اللافت أن أوروبا حددت الأول من تموز (يوليو) لبدء الحظر على النفط الإيراني، وهي الفترة ذاتها تقريباً التي من المقرر أن يعود فيها الإنتاج الليبي إلى مستوى ما قبل الثورة. وهناك عامل آخر ساهم في ارتفاع الأسعار في مطلع السنة، هو نقص الطاقة الإنتاجية في الدول غير الأعضاء في منظمة «أوبك». فقد انخفضت الإمدادات من خارج «أوبك» نحو 600 ألف برميل يومياً خلال عام 2011، بدلاً من أن ترتفع. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية