فقدت الحكومة الإيرانية قبل أيام «صوتها» البريطاني بعدما أمرت «هيئة تنظيم البث التلفزيوني» (أوفكوم) بسحب الترخيص الممنوح لفرع محطة «برس تي في» التي تبث منذ عام 2009 من استوديوات في غرب لندن. ويعني القرار إزالة المحطة من باقة المحطات التي توفّرها شبكة «بي سكاي بي» العملاقة لزبائنها عبر الأراضي البريطانية. لكن هذا التلفزيون الإيراني الذي يبث باللغة الإنكليزية، يمكنه بسهولة في عالم تكنولوجيا اليوم أن يوصل «رسالته» إلى المشاهدين في بريطانيا عبر البث المجاني المتاح على شبكة الإنترنت. ولقي قرار سحب الترخيص شجباً من ناشطين مؤيدين لقضايا عربية وإسلامية، وأيضاً من مدافعين شرسين عن إسرائيل. فما قصة «برس تي في» مع بريطانيا؟ بررت هيئة «أوفكوم» قرارها سحب الترخيص بأن «برس تي في» في لندن خرقت «قانون الاتصالات» كونها لا تملك حق تقرير ما تبثه، بل إن هذا القرار يتم من خلال إدارة موجودة في طهران. وأوضحت أنها منحت المحطة خيارين: إما أن تنقل إدارة تقرير البث من طهران إلى لندن وعندها يبقى الترخيص سارياً، وإما أن تنقل رخصتها إلى إيران. وشرحت أن القانون البريطاني يشترط لمنح الترخيص التلفزيوني أن يكون صاحب الرخصة هو صاحب القرار في شأن ما يبث من برامج، لا أن تكون مسؤولية هذا الأمر ملقاة على غيره في بلد أجنبي. وبما أن «برس تي في» رفضت الرد على الخيارين المعروضين عليها وضمن المهلة المحددة (نهاية العام الماضي)، أعلنت «أوفكوم» سحب الترخيص بمفعول فوري. ويقول قانونيون إن «برس تي في» كان يمكنها أن تتجنّب سحب ترخيصها بسهولة لو أبلغت «أوفكوم» – ضمن المهلة المحددة – بنيتها الحصول على ترخيص جديد يشير إلى أنها «محطة بث أجنبية». وواقع الأمر أن «أوفكوم» اكتشفت مخالفة «برس تي في» الترخيص الممنوح لها نتيجة التحقيقات التي أجرتها في قضية مختلفة تماماً. إذ بدأ الأمر بشكوى «مهنية» قدمها الصحافي مازيار باهاري الذي يعمل لمجلة «نيوزويك» الأميركية والذي اشتكى من أن المحطة بثت مقابلة معه تمت «تحت الإكراه» أثناء اعتقاله في طهران إبان الأحداث التي تلت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدال عام 2009. حكمت «أوفكوم»، في قرارها الذي صدر العام الماضي، بأن المحطة الإيرانية خرقت بالفعل أصول العمل المهني ببثها المقابلة، وغرّمتها 100 ألف جنيه استرليني. لكن المحطة ردّت بأنها «غير مستعدة وغير قادرة» على تسديد الغرامة. وانتهت فترة التسديد مطلع كانون الثاني (يناير) 2012، وليس واضحاً ما هي الإجراءات التي يمكن أن تلجأ إليها بريطانيا الآن لاسترداد المبلغ المفروض على الإيرانيين. ويقول مدير غرفة الأخبار في «برس تي في» في لندن حامد عمادي إن محطته أُغلقت في بريطانيا «لأنها بثّت لقطة من 10 ثوانٍ» لباهاري. ويوضح: «هو يزعم أن المقابلة أُجريت معه بالإكراه، و «برس تي في» ترفض ذلك بشدة». وتابع قائلاً إن المحطة الإيرانية تعتبر «أوفكوم» أداة في يد الحكومة البريطانية. ويكيليكس... أيضاً وأيضاً الاتهام الإيراني بأن الحكومة البريطانية لا هيئة الرقابة المستقلة هي صاحب قرار سحب الترخيص، يبدو مرتبطاً بما كشفته وثائق «ويكيليكس» قبل عامين عن درس لندن وواشنطن اتخاذ إجراءات لتقييد بث «برس تي في» في بريطانيا، رداً على قيام إيران بالتشويش على البث الموجه عبر الأقمار الاصطناعية من محطات غربية في اتجاه إيران. وجاء ذلك التصرف الإيراني، كما يبدو، في خضم أزمة انتخابات الرئاسة المثيرة للجدال والتي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد، ما أدى إلى احتجاجات شعبية قام بها مؤيدو مرشحين إصلاحيين زعموا أن النتائج المعلنة للانتخابات لم تكن صحيحة. وتزخر استوديوات «برس تي في» في لندن بباقة من الوجوه البريطانية المعروفة والتي تتراوح بين مؤيد علني لإسرائيل ومعارض شديد لها. ولعل أشهر الوجوه التي تظهر عبر البث الذي كان يتم من لندن، النائب السابق عن دائرة بيثنال غرين وبو (شرق لندن) جورج غالاوي الذي سبق أن لامته «أوفكوم» لانحيازه الشديد ضد إسرائيل في برنامج بثته «برس تي في». وعلّق غالاوي على سحب الترخيص بالقول عبر موقع «تويتر»: «أنصار الحرية – لقد سحبت الحكومة البريطانية «برس تي في» من (باقة محطات) «سكاي». تابعونا على موقع «برس تي في - إيران» ومواقع أخرى». ومن الوجوه الأخرى البارزة في برامج المحطة، الصحافية السابقة في «صنداي إكسبرس» إيفون ريدلي التي أشهرت إسلامها بعدما خطفتها حركة «طالبان» في أفغانستان عام 2001. واعتبرت ريدلي إغلاق المحطة «يوماً حزيناً للصحافة البريطانية»، مشيرة إلى أن «برس تي في» ممولة بالفعل من إيران «لكنها ليست تحت سيطرة الدولة». لكن آخرين يشككون في صحة ذلك ويقولون إن المحطة أداة إعلامية واضحة تستخدمها حكومة طهران. ومن المذيعين سابقاً في «برس تي في» عمدة لندن السابق كين ليفنغستون المرشح مجدداً عن حزب العمال لشغل منصب عمدة العاصمة البريطانية. ومن بين المذيعات أيضاً لورين بووث الناشطة الحقوقية التي أسلمت بدورها، وهي شقيقة شيري بلير زوجة رئيس الوزراء السابق توني بلير. لكن التأييد الذي لقيته محطة «برس تي في» لم يقتصر في الواقع على المعروفين بمناصرتهم لقضايا عربية وإسلامية، بل امتد حتى إلى مؤيدين شرسين لإسرائيل. إذ كتب الكاتب جيفري ألدرمان تعليقاً في صحيفة «الغارديان» دان فيه بشدة تصرف «أوفكوم» ووصفه بأنه «مشين»، مشيراً إلى أن بريطانيا كانت تعرف منذ البدء أن المحطة تُموّل من حكومة إيران. وقال إنه يوافق على أنها (المحطة) قد تكون ارتكبت عملاً مخلاً بالأصول المهنية ببثها المقابلة مع صحافي «نيوزويك». لكنه أضاف أن ليس هناك أي محطة بث إعلامية مقرها في المملكة المتحدة يمكنها أن تقول إنها لم ترتكب أخطاء، بالتالي فإن ذلك ليس مقتصراً على «برس تي في». وأوضح ألدرمان أن دفاعه عن المحطة الإيرانية لا يأتي بسبب تأييده سياسات الجمهورية الإسلامية، بل على العكس تماماً ف «أنا فخور بأنني صهيوني ومؤيد للدولة العبرية». وكشف أن «برس تي في» استضافته أربع مرات على رغم معرفتها بتأييده لإسرائيل ولم تحاول في أي مرة أن تقيّد ما يمكن أن يقوله ضد إيران أو دفاعاً عن الصهيونية. وقال إنه تقاضى أجراً لقاء ظهوره عام 2011 عبر شاشات المحطة الإيرانية بلغ قدره 300 جنيه استرليني و«قد تبرّعت بها لإسرائيل». واعتبر الكاتب الصهيوني أن إغلاق المحطة الإيرانية في بريطانيا يمنع المشاهدين «في الشرق الأوسط خصوصاً» من الاستماع إلى صوت يقدّم رأياً مختلفاً و«بالتحديد في خصوص إسرائيل».