لم تستطع التكنولوجيا أن تغزو عالم الأسرة اليمنية بالكامل، ولا يبدو أن ذلك سيحدث قريباً، فأفرادها وعلى رغم تعامل جلهم بخاصة المتعلمين مع أدوات التكنولوجيا والخدمات التي توفرها، لا تقف عائقاً أمام تواصلهم الطبيعي. ولا تزال الأسرة اليمنية تحافظ على يوم العائلة الأسبوعي، وتجتمع في «البيت الكبير» كما تجري تسميته، الجمعة من كل أسبوع، كعادة تمارسها المرأة المتزوجة وأبناؤها إذا ما كانت تسكن مع عائلتها في المدينة ذاتها، ولا يتخلف عنها الشاب المتزوج وأبناؤه وزوجته إذا ما سكن خارج منزل العائلة. ويبقى «البيت الكبير» مفتوحاً حتى بعد وفاة الأبوين، إذ يلزم الإخوة والأخوات بزيارة الأخ الكبير الذي يحل مكان الوالدين، وهو شكل اجتماعي تقدّسه الأسرة اليمنية وتحافظ عليه، على رغم كل التغييرات التي طاولت المجتمع بسبب التكنولوجيا أو غيرها. ولا تغفل العين في الشارع فتيات وشبابا يحملون حقائب لأجهزة اللابتوب، وهواتف حديثة، يدلفون بها إلى مقهى يقدم خدمة الإنترنت بصورة مجانية، وبداخله تجد الجميع يحدث جهازه، لكن هذه الصورة لا تنتقل أبداً بحذافيرها إلى داخل البيت. فالتكنولوجيا وإن كانت أخذت حيزاً لا بأس به من حياة اليمنيين نساء ورجالاً وأطفالاً، لا تزال بعيدة عن المساس بالعلاقات الاجتماعية والروابط بين أفراد الأسرة الواحدة. وتقف في وجه ذلك عوائق عدة، ساهمت بصورة إيجابية، ربما، في الحفاظ على العلاقات الاجتماعية ثابتة بين أفراد الأسرة، ومنها غلاء خدمات الإنترنت، سواء تلك التي توصل إلى المنازل، أم التي تتيحها شركات الاتصالات في الهواتف النقالة. فالدخل المحدود للمواطن اليمني، يجعله يتعامل مع إتاحة خدمة الإنترنت لأفراد أسرته في المنزل، باعتبارها أمراً ترفيهياً، بخاصة أن المحال التي توفر الخدمة أعدادها كبيرة ومنتشرة في كل أنحاء العاصمة. أضف إلى ذلك أن بعض اليمنيين وخصوصاً الكبار في السن غير المتعلمين، يعتبرون الإنترنت مفسدة للشباب ذكوراً وفتيات، وذلك لارتباطها في أذهانهم بأنها تروج للمواقع المخلة بالآداب، ولا يزال بعض هؤلاء يعتقد أن الإنترنت خدمة لا تتيح إلا هذه المواقع! فيجري التعامل معها بحذر ولا يجازف بإدخالها إلى المنازل. عائق آخر يقف أمام التكنولوجيا بخدماتها المتنوعة وهو غلاء أسعار الأجهزة الإلكترونية ومحدودية خدمات الآي فون وبلاك بيري والآي باد على سبيل المثال في اليمن. فالقلة القليلة تستطيع اقتناء أجهزة مثل هذه، والتمتع بخدماتها، ما يضع توافرها في أيدي جميع أفراد العائلة في خانة المستحيل بالتأكيد. جانب آخر يتعلق بالنظرة الأسرية إلى شاب يحادث هاتفه أو جهازه المحمول ناسياً كل من حوله، فذلك لا بد أن يعرضه لانتقادات العائلة، وفي حال أفضل لنصائح مستمرة من الأبوين والإخوة للاهتمام بنظره وعدم الإفراط في استخدام الإنترنت. أما إذا تعلق الأمر بالفتاة، فإن إجراءات أكثر قسوة قد تتخذ ضدها، وربما تحرم من استخدام هاتفها النقال، أو تفصل خدمة الإنترنت من جهازها المحمول، إلا إذا كانت موظفة وتعلم عائلتها يقيناً أن عملها يستلزم هذا الجلوس الطويل على الإنترنت وبصحبة المحمول. وعلى رغم كل ذلك، تتنافس شركات الاتصالات في اليمن بشدة في تقديم عروض مخفضة بين حين وآخر على خدمة الاتصال الدولي، وتجهد في الترويج لها، تماشياً مع الطلب بسبب الهجرة الكبيرة لليمنيين إلى الخارج.