توقف مراقبون في الرباط أمام التزام الرئيس باراك أوباما العمل مع المغرب وأطراف نزاع الصحراء للتوصل إلى حل لهذا النزاع المستمر منذ سبعينات القرن الماضي والذي يساهم في تسميم العلاقات المغاربية، خصوصاً بين المغرب والجزائر. وبعث أوباما برسالة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس قال فيها: «أدرك الأهمية التي ترتديها قضية الصحراء الغربية بالنسبة لكم ولمملكتكم ولجميع السكان الذين عانوا بسبب هذا النزاع»، موضحاً أن المفاوضات التي ترعاها الأممالمتحدة «تشكّل الإطار الملائم الذي من شأنه أن يُفضي إلى حل يحظى بالقبول المتبادل». وعبّر أوباما عن تمنياته أن يتمكن الديبلوماسي الأميركي كريستوفر روس الذي وصفه بأنه صاحب حنكة وتجربة واسعة «من تعزيز حوار بناء بين الأطراف». ورهن التوصل إلى حل بالاستجابة إلى «حاجيات السكان في ما يخص (نظام) الحكم الشفاف والثقة في دولة الحق والقانون وإدارة عادلة ومنصفة». ويُعتبر موقف أوباما الأول الذي يصدر عنه في هذا الشأن منذ تولي الديموقراطيين إدارة البيت الأبيض خلفاً للرئيس السابق جورج بوش. وسبق للرئيس بوش (الجمهوري) أن أعلن دعمه خطة المغرب منح إقليم الصحراء حكماً ذاتياً موسعاً، كما منح المغرب صفة مراقب من خارج حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى إبرام اتفاق شراكة للتبادل التجاري بين الولاياتالمتحدة والمغرب. غير أن الرئيس أوباما تمنى أيضاً على المغرب «النهوض بالمصالحة بين إسرائيل والعالم العربي» وهو الدور الذي كان يحاول القيام به في السابق، في إشارة إلى جهود الملك الراحل الحسن الثاني لرعاية مفاوضات سرية وعلنية بين زعماء عرب وإسرائيليين في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وقال أوباما في رسالته إلى العاهل المغربي محمد السادس: «يمكنكم بصفتكم رئيس لجنة القدس أن تساهموا في جعل أعضائها يعملون في شكل بنّاء من أجل تحقيق أهدافنا المشتركة عبر إرساء أسس مفاوضات مثمرة لفائدة السلام لكل شعوب المنطقة». وأضاف: «بديهي أنه لا يمكن لهذه المفاوضات أن تؤتي ثمارها إلا إذا تمكنا من إقناع الأطراف بالانخراط فيها في شكل بناء». ودعا البلدان العربية إلى «أن تعتمد التزام مبادرة السلام العربية للقيام بخطوات إزاء إسرائيل تصب في اتجاه وضع حد لعزلتها في المنطقة». يُذكر أن المغرب كان أقام مكتب اتصال ديبلوماسي في إسرائيل، فيما فتحت الأخيرة مكتباً لها في الرباط. إلا أن المغرب علّق نشاط مكتبه اثر الانتفاضة الفلسطينية، فيما زار وزراء إسرائيليون المغرب مرات عدة، وعزت السلطات في الرباط ذلك إلى تمنيات فلسطينية للقيام بوساطات شملت الاجتماع إلى مسؤولين إسرائيليين داخل المغرب وخارجه. على صعيد آخر، أكد المغرب التزامه توطيد علاقات التعاون مع الجزائر ومعاودة تفعيل الاتحاد المغاربي المتعثر، وقال العاهل المغربي الملك محمد السادس في رسالة تهنئة إلى الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في مناسبة ذكرى استقلال بلاده إن الشعب المغربي «يشاطر شقيقه الجزائري مشاعر الاعتزاز والابتهاج بذكرى الكفاح البطولي من أجل الحرية والاستقلال»، داعياً الى جعلها «نبراساً ينير سبيل بناء ما تتطلع إليه الأجيال الصاعدة من مستقبل واعد». وجدد حرصه على «مواصلة العمل مع الرئيس الجزائري من أجل استثمار الرصيد التاريخي المشترك لتوطيد علاقات التعاون المثمر والتضامن الفعال والتواصل الدائم»، وأضاف أنه «حريص على التنسيق معكم ومع أشقائنا قادة الدول المغاربية لتفعيل مؤسسات اتحاد مغاربي على أسس متينة وفاء لروح معاهدة مراكش» في ظل الثقة وحسن الجوار واحترام الخصوصيات الوطنية للبلدان الخمسة، مشيداً بدور وجهود الرئيس بوتفليقة في التنمية والتقدم والوئام والاستقرار. واتصل العاهل المغربي أمس بالرئيس الجزائري معزياً بوفاة والدته. ولاحظت المصادر أن العاهل المغربي حرص على الربط بين تطبيع علاقات بلاده والجزائر والانتقال الى دعم البناء المغاربي في نطاق التزامات الدول الخمس التي أبرمت معاهدة مراكش في عام 1989، لكنها بعد ما يزيد على عقدين على ذلك الحدث ما زالت تواجه صعوبات، أقلها تعليق القمم المغاربية منذ عام 1994. فيما أفسحت مبادرة الموفد الدولي إلى نزاع الصحراء كريستوفر روس لناحية الاجتماع الى الأمين العام للاتحاد المغاربي في الرباط الأسبوع الماضي في المجال أمام دور محتمل للاتحاد في تشجيع الأطراف على الذهاب الى مفاوضات الصحراء، ورجحت المصادر أن يدعو روس مندوبين عن الأطراف المعنية بالنزاع إلى مفاوضات «غير رسمية» قبل نهاية الشهر الجاري في مدينة أوروبية قد تكون جنيف. واستخدم البلدان الجاران المغرب والجزائر «ديبلوماسية التهاني والمواساة» للإبقاء على خيوط اتصال رفيعة، كما جربا الانفتاح على بعضهما اقتصادياً وتجارياً من خلال بعثات رجال الأعمال الذين سعوا إلى إذابة الخلافات السياسية في طموحات تجارية، غير أن ذلك لم يساعد في تقريب وجهات النظر المتباعدة حيال الموقف من نزاع الصحراء وأجندة معاودة فتح الحدود والاتجاه نحو تطبيع حقيقي في العلاقات. وكان لافتاً أن الملك محمد السادس زار المنطقة الشرقية على الحدود المشتركة مع الجزائر مرات عدة، كان آخرها قبل أيام، إذ أعطى إشارة الانطلاق لبناء ثكنة عسكرية عصرية وكذلك مشروعات انمائية ذات طابع سياحي، في وقت يقر فيه المسؤولون المغاربة بوقوع المزيد من الأضرار الاقتصادية نتيجة سريان مفعول إغلاق الحدود البرية مع الجزائر. وقدّرت المصادر أعداد الرعايا الجزائريين الذين كانوا يفدون على المنطقة الشرقية إبان فترة الانفراج بمئات الآلاف. وكانت آخر قمة جمعت العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة التأمت في الجزائر في ربيع 2005 على هامش القمة العربية، وساعد اعتقاد وقتذاك أن البلدين في طريقهما الى تحقيق الانفراج، خصوصاً في ضوء اتفاق على تشكيل لجان للبحث في الموضوعات العالقة، إلا أن تطورات قضية الصحراء ألقت بظلالها على الموقف، ورفضت الجزائر بعد ذلك بحوالي عامين استقبال وفد مغربي رفيع المستوى كان يرغب في عرض خطة المغرب منح حكم ذاتي للمحافظات الصحراوية، ما زاد في تباعد الفجوة بين الجارين. لكن رهاناً صامتاً بصدد التبلور في العاصمتين المغربية والجزائرية حيال فرص الانفراج بعد بدء الولاية الثالثة للرئيس الجزائري بوتفليقة، وستكون مفاوضات الصحراء وفق بعض الأوساط محكاً لاختبار هذا الرهان.