تمضي الأيام، والأسابيع، والشهور، والثورة السورية تراوح مكانها، وفي كل يوم يسقط العشرات من الشهداء، ويعتقل المئات، بل أضحى الشهيد السوري رقماً يقرأه متابعو القنوات الفضائية من العرب والمسلمين، ويمروا عليه مرور الكرام. لقد ازداد عدد الشهداء في سورية بعد دخول الجامعة العربية، صاحبة مصطلح «امتعاض»، على خط الأزمة السورية. واتضح للشعب السوري أن تدخل الجامعة العربية أتى وكأنه حبل الإنقاذ الذي كان يحلم به النظام، على رغم أن النظام لم ينفذ أي بند من البنود التي وقع عليها في المبادرة العربية، إذ لم يسحب النظام آلياته العسكرية من المدن، ولم يفرج عن المعتقلين، ولم يوقف القتل والاعتقال. وحين سمح لبعض وسائل الإعلام بالدخول، وضعهم تحت المراقبة الأمنية الشديدة، ومن شط منهم عن الطريق المرسوم له، قتله بدم بارد، مثل مقتل الصحافي الفرنسي في حمص. وعلى رغم كل هذا يخرج رئيس الوفد العربي الدابي ليصرح أن الوضع مطمئن؛ ثم يكذب تصريحات «أنور مالك» أحد أعضاء الوفد العربي، ويزعم أنه لم يخرج من الفندق خلال أسبوعين، علماً بأن هناك عشرات الأفلام تُظهر تجول «المالك» بجانب «الدابي» في الكثير من المحافظات. ثم يصرح نبيل العربي بعد التقرير الذي رفعه إليه الدابي بأن هناك عنفاً من الطرفين. الحقيقة أن تصريحات العربي ليست مستغربة، فقد كان يحابي النظام طوال عشرة أشهر، وصرح بما يدل على أنه ينافقه بعد زيارتيه إلى دمشق في بداية الثورة؛ حتى أطلق عليه لقب «اللاعربي»، ثم تبين، في ما بعد، أن ابنته هي زوجة أحمد بن حسنين هيكل، الذي هو شريك رامي مخلوف في شركات عدة. إن هذا الصمت المريب عن جرائم النظام السوري، الذي يتبناه المجتمع الدولي بشكل عام، والجامعة العربية بشكل خاص، أثار حفيظة الشعب السوري، فأخذت تكثر التساؤلات في الإعلامين الغربي والعربي حول أسبابه. ومن تلك التساؤلات، ماذا فعل المجتمع الدولي برمته لمساعدة الشعب السوري؟ إن استدعاء سفير، ثم إعادته بعد أسبوعين، بحجة أن وجوده داخل سورية أفضل للثورة؛ والعقوبات الاقتصادية التي اتخذتها بعض الدول الغربية ضد النظام؛ وإصدار بيانات بأن النظام فاقد الشرعية؛ والتنديد، والشجب، والامتعاض، والتعبير عن القلق، والتعبير عن الصدمة؛ والتصريحات النارية التي كان يطلقها «أردوغان» يومياً تجاه النظام، التي أثبتت أن تركيا ليست إلا ظاهرة صوتية، اختفت نهائياً، ولم نعد نسمع مثل تلك التصريحات... كل هذا لم ولن يثني النظام عن الارتداع والتوقف عن قتل الأبرياء، وهي لا تغني ولا تسمن من جوع، ولم تكن إلا لرفع العتب عن المجتمع الدولي، بل إن تركيا التي كان يستند إليها الشعب السوري ويحلم بأنها ربما تكون المخلص من عذاب جحيم النظام، أغلقت الحساب البنكي للجيش الحر، ومنعته من القيام بأي عملية عسكرية ضد النظام، ومنعت إدخال الأسلحة إلى الثوار من حدودها. لقد ظهر جلياً أن الضغوط الدولية التي مورست على هذا النظام الوحشي، حتى الآن، تعد استهزاءً بعقول الشعب السوري، وأن الموقف السلبي الذي لا تزال تتبناه بعض الدول العربية عموماً، والجامعة العربية خصوصاً، تجاه الشعب السوري الذبيح، هو الذي شجع، ويشجع النظام على التمادي في إجرامه الوحشي، وأن تصريحات العربي والدابي الأخيرة عدّها النظام ضوءاً أخضر للجوء إلى الإبادة الجماعية للشعب السوري برمته. أما عن أعذار عدم التدخل في الشأن السوري، فقد عللت الولاياتالمتحدة الأميركية أن اهتمامها ينصب على سلامة الدولة العبرية من أي حرب تندلع ضدها، وأنها غير معنية بأي تدخل عسكري أو ضغط سياسي مكلف، خصوصاً أنها غارقة في ديون تفوق قدرتها على الوفاء، ولم تشف بعد من أزمتها الاقتصادية المزمنة، وهي تراهن على سحب قواتها العسكرية من بؤر النزاع التي أرهقت الخزينة الأميركية بنفقات باهظة الثمن؛ لذلك نجدها تلقي الكرة في ملعب حلفائها من الدول الأوروبية، للنجاة من أي استحقاق يمكن أن يطالها. ثم تأتي الدول الأوروبية لتلقي الكرة بدورها على تركيا، بحجة أن اقتصادها أردأ من الاقتصاد الأميركي، ولا طاقة لها بتحمل كلفة الحرب؛ لهذا صرحت فرنسا قبل أيام أن حلف الأطلسي ليس مستعداً للتدخل، ولكن تركيا اعتذرت بأسلوب ديبلوماسي بأنها لا تريد مشكلات مع جارتها إيران، فأحالت الكرة إلى ملعب الجامعة العربية، التي من المعروف أنها مقبرة لأي قضية يُراد وأدها. وهناك مصيبة أخرى ابتلي بها الشعب السوري، ألا وهي تلك اللاءات البراقة التي رفعها المجلس الوطني السوري، منها «لا للتدخل الخارجي»، على رغم أن أعضاءه يرون بأم أعينهم شعباً يُباد، ووطناً يُستباح، وترتكب فيه أبشع الجرائم ضد الإنسانية، بذريعة خوفهم على سيادة سورية، ما حدا بوزيرة الخارجية الأميركية أن تجد ذريعة لتبرئة نفسها من تقاعسها في مساعدة الشعب، إذ صرحت الأسبوع الماضي، رداً على سؤال لأحد الصحافيين بقولها: «إذا كان المجلس الوطني الذي هو ممثل الشعب السوري يرفض التدخل الخارجي، فلا يمكننا التدخل»، علماً بأن التدخل حاصل، والأساطيل الروسية راسية في ميناء اللاذقية، والسفن المحملة بالأسلحة تفرغ حمولتها يومياً في الميناء ذاته، هذا بغض النظر عن الدعم البشري، الذي يلقاه النظام السوري من حليفه العقدي والإستراتيجي «حزب الله»، من إرسال مهندسين وأجهزة التقاط إشارات هواتف الثريا التي يستعملها المتظاهرون. يخرج المتظاهرون كل يوم رافعين لافتات تقول: «ما لنا غيرك يا الله». أملهم بالله أن يأتي بمعجزة للتخلص من نظامهم الدموي، ولكن السؤال المطروح هل باستطاعة الشعب السوري لوحده نيل الحرية والتخلص من هذا النظام، ظناً منهم أن الوضع السوري يشابه الحال المصرية، أو التونسية، أو اليمنية؟ الخلاصة: ما يحصل الآن في سورية هو انتظار المعارضة السورية لكي توافق على شروط الغرب، وإلا سيُذبح الشعب السوري عن بكرة أبيه من دون تدخل غربي، وإن لم توافق المعارضة السورية على هذه الشروط التي لم ولن يبوح بها الغرب علناً، فإن نظام الأسد سوف يستمر إلى ما شاء الله حتى لو ذُبح الشعب بأكمله. * باحث في الشؤون الإسلامية.