الجريمة مستشرية في أوساط الوحدات العسكريّة الروسيّة. ومكافحة الجريمة في الجيش الروسي تثمر، إذ تنحو معدلاتها إلى الانخفاض. وفي بعض الوحدات لم يقع خرق قانوني طوال العام الفائت. فمن جهة، انخفضت إلى الثلث تقريباً الاعتداءات على الأملاك العسكريّة، وإلى النصف جرائم التهرّب من الخدمة، وإساءة استخدام السلاح والذخيرة. ومن جهة أخرى، الفساد ينخر عظام الجيش الروسي، ويتفشى سوء استخدام الأموال المخصصة للشؤون العسكرية. وشطر من هذا الفساد تتحمّل مسؤوليته الهيئات الرقابية والمسؤولون الفاسدون. حجم الفساد في الجيش يثير الصدمة، كما لو أن الجنود فقدوا القدرة على التوقف عن السرقة. وحجم المبالغ المسروقة يدفع إلى الذهول فيما عمل الهيئات القضائية مخيب جداً. وتتراوح أوجه الفساد بين هدر الأموال، وتجاهل قواعد المناقصات، ودفع بدل أعمال غير منفّذة، والمبالغة في رفع أسعار المعدّات العسكريّة وغيرها. وعلى سبيل المثل، لاحظ الادعاء العسكري خللاً خلال مراقبته تنفيذ أحد العقود، وادعى على المسؤولين في الإدارة الطبية- العسكرية والإدارة المرتبطة بها في وزارة الدفاع. وخلص الادعاء إلى أن المسؤولين في الإدارتين تعاقدوا مع إحدى الشركات الخاصة لتصدير معدات طبيّة قيمتها 26 مليون روبل (نحو 850 ألف دولار)، ليتبيّن لاحقاً أن المبلغ المتعاقد عليه يفوق ثلاثة أضعاف القيمة الفعلية. ومنيت الدولة بخسارة قيمتها 17 مليون روبل. وبعد إيعاز من الادعاء العسكري، استُرجِع المبلغ، ووجهت التهم إلى المشاركين في العملية. والاختلاس حصل لدى الوحدات الأكثر فساداً، على رغم خضوعها للرقابة المنتظمة. والحال هذه تحمل على الشك في ضلوع المراقبين في العملية، والجميع سيخضع للحساب. ووزارة الدفاع الروسيّة تتعاون مع الادعاء العسكري. واسترجعت مبالغ تفوق 300 مليون روبل. وبرزت مشكلة تأمين المساكن للضباط الذين يضطرون إلى الانتظار أعواماً طويلة من أجل الحصول على شقق، وتدور ملفاتهم في دهاليز البيروقراطية لسنوات. ووضع المسؤولين عن هذا الإهمال تحت المراقبة لتأمين تسليم الشقق في موعدها المحدد واحترام المواصفات المتّفق عليها. وتبذل الدولة الروسية مبالغ كبيرة مكافآت مالية إلى المؤسسة العسكرية. ويحاول عدد من الجنرالات الاستيلاء على ما يمكن منها، ويضيقون على الجنود الذين يأتمرون بأمرتهم لاقتطاع حصة من مكافآتهم المالية. ورؤساء الوحدات يتولون توزيع المكافآت على الضباط الأكفياء من غير مراقبة، ويختلسون الأموال. لذا، أرسى الادعاء معايير واضحة لمراقبة صرف هذه الأموال، وتحديد حجمها، وضمان «شفافيّة» الإجراءات عند زيادة مبالغ إضافيّة على الرواتب، بالتالي أصبح من السهل رصد أي إنفاق غير مبرر. ويعاني الجيش من مشكلات أخرى لا تتعلّق بالمال على غرار تهّرب الشبّان من الخدمة، ويقدر بعض الإحصاءات عدد المتهربين من الخدمة بنحو 120 ألفاً، يضاف إليهم نحو 15 ألفاً يتهرّبون من الخدمة من طريق السفر إلى الخارج. وبعضهم يتهرب من الخدمة ليتخلص من أعمال «بلطجة» يمارسها الجنود الذين يخدمون للعام الثاني ضد أقرانهم الجدد، فيعتدون عليهم، ويفرضون عليهم الإتاوات ويصادرون مقتنياتهم الشخصية. وعلى رغم ارتفاع عدد المجندين، كان يتوقع أن تنتهي هذه الظاهرة بعد تخفيض سنوات الخدمة، لكن هذه الهيكليّة غير الرسميّة ما زالت راسخة في الجيش. وأحيل 2000 جندي على المحاكمة بتهمة «البلطجة» في 2010. * مدعٍ عام عسكري روسي، عن «كومسومولسكايا برافدا» الروسيّة، 12/1/2012، إعداد علي شرف الدين