ثمار المانجو تعلن موسم العطاء في جازان    بلدية قوز الجعافرة تكرم شباب القرية    جيسوس: الفوز بهدف فقط أفضل من خسارة كانسيلو    مدرب السد يُحذر من مواجهة كاواساكي    منصات التواصل والتأثير: هل أصبح كل شاب إعلاميًا؟    جازان تصنع الحدث: إطلاق أول جمعية متخصصة بالتغذية العلاجية على مستوى المملكة    ثقافة الاعتذار قوة لا ضعف    رؤيتنا تسابق الزمن    المركزي الروسي يحدد سعر صرف الروبل أمام العملات الرئيسة    ضبط (19328) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    "الرياض" ضيف شرف معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    وزير التعليم يرفع التهنئة للقيادة بما تحقق من منجزات تعليمية    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    أبها تتغطى بغطاءها البنفسجي    ريال مدريد ينتقد اختيار الحكم الذي سيدير نهائي كأس إسبانيا    وزير الصحة: تطبيق نموذج الرعاية الصحية الحديث أسهم في رفع متوسط عمر الإنسان في المملكة إلى 78.8 عامًا    تركي بن محمد بن فهد يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة ما تحقق من إنجازات في مسيرة رؤية المملكة 2030 بعامها التاسع    زيلينسكي: أوكرانيا تريد ضمانات أمنية أمريكية كتلك التي تمنحها لإسرائيل    للمرة الثالثة على التوالي ..الخليج بطلاً لممتاز كبار اليد    بيراميدز يحقق ما عجز عنه الأهلي    نيس الحاسم يُنزل بسان جيرمان أول هزيمة في الدوري الفرنسي هذا الموسم    وزير "البيئة" يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة وما تضمنه من إنجازات    مجلس الأعمال السعودي - الأمريكي يستضيف فعالية تواصل استثمارية رفيعة المستوى    «أماني» تحصد الدكتوراه برسالة متميزة    الاتحاد السعودي للطيران الشراعي يُقيم معسكرًا لفئة النخبة    القبض على باكستانيين في المنطقة الشرقية لترويجهما «الشبو»    محمد العرفج يُفجع بوفاة والدته    نائب أمير تبوك: رؤية المملكة 2030 حققت قفزات نوعية وإنجازات    موعد مباراة الهلال في نصف نهائي دوري أبطال آسيا للنخبة    ثانوية الأمير عبدالمحسن تحصد جائزة حمدان بن راشد    قطاع بارق الصحي يُنفّذ مبادرة "صحة الفم والأسنان"    أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة من منجزات في الأعوام التسعة الماضية    عام 2024 يُسرع خُطى الرؤية السعودية ويسجّل إنجازات استثنائية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُقيم فعالية "متلازمة داون"    "عبيّة".. مركبة تحمل المجد والإسعاف في آنٍ واحد    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    في الدمام ( حرفتنا حياة ) ضمن مبادرات عام الحرف اليدوية 2025    "حديث المكتبة" يستضيف مصطفى الفقي في أمسية فكرية عن مكتبة الإسكندرية    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    تنفيذ ورشة عمل لاستعراض الخطط التنفيذية للإدارات في جازان    مبادرة لرعاية المواهب السعودية في قطاع الجمال    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    تقلص الجليد القطبي    مخاطر في الذكاء الاصطناعي    خشونة الورك: الأسباب.. التشخيص.. العلاج.. الوقاية    محافظ صبيا يشيد بجهود رئيس مركز العالية ويكرمه بمناسبة انتهاء فترة عمله    محافظ صبيا يكرم رئيس مركز قوز الجعافرة بمناسبة انتهاء فترة عمله    رئيس نادي الثقافة والفنون بصبيا يكرّم رئيس بلدية المحافظة لتعاونه المثمر    بلدية صبيا تدعو للمشاركة في مسيرة المشي ضمن مبادرة #امش_30    ذكاء اصطناعي للكشف عن حسابات الأطفال في Instagram    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    ملك الأردن يصل جدة    10 شهداء حرقًا ووفاة 40 % من مرضى الكلى.. والأونروا تحذّر.. الاحتلال يتوسع في جرائم إبادة غزة بالنار والمرض والجوع        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استئناف التجديد السياسي في الإسلام ... ومقولة الشهرستاني
نشر في الحياة يوم 14 - 01 - 2012

لعل من أكثر القضايا التي شغلت الفكر الإسلامي التراثي والمعاصر هي القضية السياسية، ولعل مقولة الشهرستاني صاحب كتاب «الملل والنحل»، إنه ما سُلَّ سيفٌ في الإسلام بقدر ما سل في مسألة الإمامة والخلافة، فيها بعض المصداقية بالرغم مما يواجهها من اعتراضات. ومن المصداقية ربما ملاحظة أن قتال المسلمين لأعدائهم لم يرق من الدماء ما أراقه صراع المسلمين في ما بينهم على مسألة السلطة السياسية والإمامة والخلافة، وربما قصد أن مسألة الإمامة كانت من أكثر القضايا التي افترق المسلمون على أساسها فكرياً وسياسياً وجغرافياً، إلى نحو ثلاث وسبعين فرقة أو إلى نحو ثلاث وسبعين دولة أو إمامة أو خلافة مستقلة، فالتاريخ السياسي للمسلمين حافل بالتنوع الفكري والسياسي، والتي صيرت خلافها الفكري صراعات عسكرية في أحيان عديدة، وبالأخص في لحظات انتقال السلطة السياسية من أسرة إلى أخرى.
اعتراضات
وما يمكن أن يعترض عليه في مقولة الشهرستاني، وهي في الغالب اعتراضات على من يسيء فهم هذه المقولة أو يستثمرها بصورة خاطئة، هي قلب الصورة بالكامل، بحيث صور البعض التاريخ السياسي الإسلامي على أنه تاريخ مضطرب سياسياً، وأنه لم يستقر على نظرية سياسية واحدة بالرغم من تاريخه الطويل زمنياً ومكانياً أيضاً، وبالتالي فمن حقه أن ينتقد الإسلام السياسي عموماً، والذي يشهد ولادته التأسيسية الثانية، بينما كان يمكن فهم مقولة الشهرستاني بصورة إيجابية وبناءة، إذ من الممكن أن يكون قصده أن مسألة الإمامة من أكثر القضايا الإسلامية أهمية ومكانة في الفكر الإسلامي، ولذلك كانت تستحق من المسلمين أن يسلّوا سيوفهم عليها، وأن يدافعوا عن حقوقهم فيها، وأن لا يتركوها للمستبدين بها والمغتصبين لها، فتصبح النظرة إيجابية وليست سلبية فقط.
لا شك في أن تحليل مقولة الشهرستاني يتطلب دراسة شخصية الشهرستاني ومدرسته الفكرية العقدية وعصره السياسي وموقعه ودوره فيه، ولكن ما يمكن توقعه أن الشهرستاني قدم قراءته في مقدمة كتاب بهدف بيان أسباب تفرق المسلمين إلى فرق وملل ونحل كثيرة، كما هو حال الأحزاب الإسلامية اليوم، وقد يكون الشهرستاني متحيزاً إلى مدرسة فكرية معينة أولاً، مثل المدرسة الأشعرية، ويريد أن يجعل منها وحدها الفرقة الناجية، ولذلك لم يبرر مواقف الحركات أو الفرق الأخرى، أو لم يقدمها على الأقل كحركات إسلامية اجتهادية، ولذلك يمكن القول بأن طرحه لم يكن موفقاً، وإن كان واقعياً من بعض الجوانب، وسبب عدم الموافقة عليها أنها جاءت مؤدلجة من وجهة نظر الشهرستاني نفسه، فهو كاتب للتاريخ كما يفهمه أو كما يوظفه فكرياً وفلسفياً، وليس بالضرورة كما كان واقع حاله في ذلك الوقت، فالشهرستاني من علماء القرن الخامس الهجري، وهو يسجل وجهة نظر وتحليل كما يريدها القرن الخامس وما وصل إليه من توازن فكري وسياسي، فإذا كان الأمر كذلك، فيمكن أن يكون دافعه رفض مبدأ الثورة، أو غير محبذ للثورة بعد الاستقرار الأشعري فكرياً وسياسياً، بينما كانت ثورات القرون الإسلامية الأولى تهدف إلى تصحيح المسار السياسي بالدرجة الأولى، وبالتالي فالثورات كانت تقوم بواجبها من أجل التصحيح وليس لمجرد الثورة والقتل، وأحداث ثورات الربيع العربي اليوم تعطي صورة ربما تكون مشابهة لما حصل في القرون الإسلامية الأولى.
فإذا كانت فكرة الثورة وسل السيف من أجل السلطة السياسية لم تكن مرغوبة في عصر الشهرستاني، فمن الطبيعي أن ينكر الشهرستاني مبدأ الثورة من أصله ويلمح إلى ذمه في التاريخ الماضي أيضاً، لذا فهو يصفها بعقلية القرن الخامس الهجري ومنظوره، الذي استقرت فيه الأوضاع، أي في عصر لم يكن هناك حاجة إلى ثورة داخلية قوية ولا واسعة في نظر الشهرستاني على الأقل أو مدرسته الفكرية، بينما قبلتها القرون الأولى ودعمتها وأيدتها، وبعضها نجح وحظي بالثناء والمديح من المؤرخين بالرغم مما أحدثته من إراقة دماء مثل الثورة العباسية، وبعضها لم ينجح ولكنها كانت تجد مبرراتها الفكرية والسياسية من وجهة نظر إسلامية.
أهداف الثورة
وعليه، فإن فتح باب الثورات الداخلية في العالم الإسلامي في هذا العصر يمكن أن يفهم من خلال مقولة الشهرستاني، ولكن بالمعنى الإيجابي، أي أنها لتصحيح المسار بعد أن سادت عصور الظلم والفساد والاستبداد منذ قرون، أو عقود على أقل تقدير، ولذلك قد لا يقوى دعاة الاستقرار ورفض الثورة على وقف أو منع الثورات، وأن تتواصل وتتقدم لتعم العالم الإسلامي كله، فالفكرة المانعة للثورة أو التي تقرأها على أنها فعل سلبي، قد لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، بل ربما تكون من الجهات المستهدفة بالثورة أيضاً، فبدل أن تكون بعض القوى، وبالأخص الدينية، في مسار الثورة وداعمة له، قد تصبح من أهداف الثورة والتي يتم السعي للتخلص منها، وهذا يتطلب من المفكرين والمؤرخين والعلماء والبرلمانيين وغيرهم، فهؤلاء ينبغي أن يقرأوا الأحداث بمنظار عصرهم وليس بمنظار عصر سابق، فمسألة الثورة في المصطلح الحديث أو الخروج على ولي الأمر في المصطلح التراثي، لا يمكن قولبتها في أطر جامدة مهما تغيرت الأحوال وتقلبت الأمور.
إن مسألة السلطة السياسية في الإسلام كانت مفتوحة في التاريخ، وهي كذلك في الحاضر وستبقى كذلك في المستقبل، لسبب واحد بسيط هو أن الإسلام لم يشرع لشكل السلطة السياسية لتكون مسألة جامدة وثابتة لا تتغير، بل تركها لتكون مسألة متطورة وقابلة للتغيير والتجاوب مع كل مستقبل مشرق للمسلمين، فهناك المبادئ الإسلامية العامة في العلاقة بين المسلمين ومن يحكمهم من أولي الأمر، الذين اشترط الشرع أن يكونوا من المسلمين، بمعنى أنهم من بين الناس وليسوا غرباء عنهم، كما اشترط أن يؤدوا الأمانات وأن يحكموا بالعدل، وأن يكون أمرهم بينهم شورياً وديموقراطياً، دون حصره بأسرة ولا عائلة ولا طائفة. وسواء تحقق ذلك في التاريخ أو في الحاضر، فإن من حق كل جيل إسلامي قادم أن يفتح الملف من جديد، وأن يحاسب القائمين عليه بمدى التزامهم بالمبادئ العامة، وتحقيق الحرية للناس والعدالة في الحكم بينهم.
وإذا وجد في العقود الماضية من المسلمين من سار مع حركة التاريخ في عصرهم من خلال مشاركتهم في الحركات اليسارية أو الشيوعية أو التقدمية أو الرأسمالية أو الليبرالية، فهذه مرحلة بعضها أفل إلى غير رجعة، وبعضها في مرحلة الأفول، والأولى أن يكون لهؤلاء المسلمين الآن سبق في قراءة الإسلام بقراءة جديدة، والتجديد في إبداع نظريات سياسية إسلامية، ستكون في الغالب أفضل من قراءة الأحزاب الإسلامية التي ولدت في عصور الاضطهاد والاستبداد في القرن العشرين الماضي، فالباب مفتوح اليوم للأحزاب الإسلامية الجديدة أن تنشأ وبكثرة، لتقدم رؤاها التجديدية، وهي تحترم جهود الحركات التي نشأت في القرن العشرين وجهادها، لتقدم هي اجتهادها في فهم الإسلام في عصر الحرية والديموقراطية والانتخابات النزيهة واحترام الحركات والأحزاب الأخرى، ولتكسب ثقة الجماهير في المستقبل وتكون مشاركة لها في صناعة الغد الأفضل.
إن ما وصل إليه حزب العدالة والتنمية في تركيا فيه عبرة في ذلك، فما تم من نجاح لم يكن صدفة ولا فجأة، فقد حصد جهود الحركة الإسلامية في تركيا طوال نصف قرن، فقد سعت الحركة الإسلامية التركية استئناف مشاركتها في السلطة السياسية في تركيا بعد إبعاد وإقصاء وقتل وتشريد واعتقال من قبل العلمانيين والعسكر طوال عقود سابقة بعد تأسيس الجمهورية التركية، وما وفر لها شروط النجاح الكبير الذي تشهده اليوم هو مواصلتها التجديد في كل أطروحاتها الفكرية والسياسية ومرونتها في التعامل مع الدستور القائم، ودون الجمود على أفكار الأحزاب الإسلامية السابقة، ولا الاصطدام مع الدستور ولا مع العسكر الذين يتمترسون خلفه، بالرغم من قناعتها بضرورة تجديد الدستور ليكون أكثر ديمقراطية ومدنية، ولكن الشرط الأكبر للنجاح هو قدرة الحزب على إثبات جدارته في قيادة البلاد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وقد كان الأخير، أي النجاح الاقتصادي الذي لمسه كل مواطن تركي هو العامل الأكبر في الإجماع على انتخاب حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة التركية لثلاث دورات برلمانية متوالية، بل والهيمنة على أكثرية برلمانية وكافة أجهزة الدولة، فاستئناف التجديد السياسي ليس حصراً على إبداع نظريات سياسية حديثة فقط، وإنما بإقناع المواطنين على قدرة القيادات الإسلامية على تجديد عطائها السياسي النظري والتطبيقي معاً، وتحقيقه تقدماً اقتصادياً وسياسياً وعدالة اجتماعية حقيقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.