الكرملين ينشر قائمة بمنشآت الطاقة الروسية والأوكرانية التي يحظر استهدافها مؤقتاً    الأخضر متألق دفاعيا وسلبي هجوميا    15 ملعبا جديدًا ومطورًا لاستضافة المونديال    رينارد يعتذر.. ويعد بالتأهل    أمانة الشرقية.. رقم قياسي في «غينيس» لدعم الباعة الجائلين    مشروع ولي العهد يُجدّد مسجد «الحصن الأسفل» بعسير    الحركان: الوطن شهد تحولات جذرية في مختلف المجالات    رئيس مركز قوز الجعافرة يتوج بطل بطولة الساحل الرمضانية ويكرم الفائزين في المسابقة الأسرية    مؤسسة الرياض غير الربحية رؤية تواكب طموح الوطن    روح الشباب وعطاء القيادة    محمد بن سلمان.. رَجُل السَّلام    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعًا صحيًا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    أمير مكة المكرمة يطلع على تقرير أعمال الجهات خلال شهر ⁧‫رمضان ‬⁩    الوداد ترسم فرحة العيد الأولى ل 20 يتيما    القيادة تهنئ رئيس الهيلينية بذكرى استقلال بلاده    الرؤساء التنفيذيون بالمنطقة يخططون لتنفيذ صفقات استحواذ في السنوات الثلاث المقبلة    البديوي يدين إنشاء (إسرائيل) وكالة لتهجير الفلسطينيين من غزّة    الذهب يرتفع وسط مخاوف التوترات التجارية.. وانخفاض «التكنولوجيا» يضعف الأسهم    3.8 ملايين ريال غرامات أصدرتها الطيران المدني الربع الأول 2025    أمير الشمالية يرأس استعدادات العيد    تقلص فرصة قطر في التأهل المباشر لكأس العالم بالخسارة من قرغيزستان    المركز الوطني للعمليات الأمنية يشارك في معرض وزارة الداخلية    "دارك للإسكان التنموي" تختتم ورشة البناء الاستراتيجي لرسم ملامح المرحلة القادمة    إطلاق أول مهمة بحثية سعودية لدراسة ميكروبيوم العين في الفضاء    رياح نشطة وأمطار رعدية متوقعة على عدة مناطق في المملكة    مليار ريال لمستفيدي "سكني"    تصاعد "احتجاجات أوغلو" وتوقيف صحافيين ومتظاهرين.. تظاهرات إسطنبول تعمق الانقسام السياسي في تركيا    لكبح قدرات الميليشيا المتمردة على استهداف الملاحة البحرية.. الطيران الأمريكي يواصل ضرباته لمراكز الحوثيين الإستراتيجية    «العالم الإسلامي» يؤيد مخرجات «اللجنة الوزارية» بشأن غزة    إحباط تهريب 108 كلجم من "القات " والإطاحة ب4 مخالفين    مرصد «المجمعة» يوضح ظروف رصد هلال شوال    زار وجهة البرومينيد التابعة لمشروع المسار الرياضي.. نائب أمير الرياض: اهتمام خادم الحرمين وولي العهد بالمشروعات الرائدة يحقق رفاهية المجتمع    اطلع على تقرير أعمال فرع "التجارة".. أمير تبوك يشدد: القيادة تدعم كل ما يحقق للمواطن رغد العيش    بادرة الوفاء في العيد لذوي القربى    النظرة السوداوية    «جرائم القتل» بطلة 5 مسلسلات في رمضان    أمير الرياض يوجّه باستمرار العمل خلال إجازة العيد    الجود والكرم وبركة الحرم    نمو اقتصاد الهيدروجين وخفض الكربون.. أرامكو تستحوذ على 50 % في شركة الهيدروجين الأزرق    التوقف الطبيعي للطمث    وزير الصحة يتفقد جاهزية المنشآت الصحية في العاصمة المقدسة    صبيا تحتفي بنجاح بطولة كرة الطائرة الثانية الرمضانية بحارة الباصهي    محافظ ⁧‫خميس مشيط يرعى بطولة وادينا2 ضمن مبادرات ⁧‫أجاويد3‬⁩    الرئيس التنفيذي لتجمع عسير الصحي يدشن قسم الأشعة المقطعية بمستشفى تنومة    الهيئة العالمية لتبادل المعرفة تمنح العضوية الشرفية للدكتور الحمد    حلم وبُعد نظر الملك عبدالعزيز    128 بطولة رمضانية في رابطة الهواة لكرة القدم    الغيرة المحمودة    قصة الذات في عوالم الأدوار المتشابكة    ربي ارحمهما    مصير خريجات رياض الأطفال    «شارع الأعشى» كتلة مشاعر    مركاز الفريد    أمل علاج السرطان ما بين الحقيقة والشائعات    «الدفاع المدني» يشارك في معرض الداخلية لتعريف ضيوف الرحمن بالخدمات بجدة    مخاوف متزايدة من التجسس وسط إقالات جماعية في واشنطن    نجاح أول علاج بيولوجي لثلاثيني في جازان    أمير تبوك يوجه باستمرار العمل خلال اجازة عيد الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«التعصّب»... وصراع العصبيات
نشر في الحياة يوم 11 - 01 - 2012

لنفترض أن سعودياً يشاهد مبارزة ملاكمة أو مصارعة بين أميركيين، أحدهما مسلم والآخر مسيحي، فمن الطبيعي أن يشجع الأميركي المسلم، وإذا شاهد مباراة بين سعودي ومصري، فمن الطبيعي أن يشجع السعودي، وإذا كانت المباراة بين خليجي وشامي، فمن الطبيعي أن يشجع الخليجي، وإذا كانت المباراة بين واحد من قبيلته وبين ابن عمه، فسيشجع ابن عمه، وهكذا نلاحظ أنه كلما ضاقت واقتربت حلقة الدين، والمذهب، والعرق، والقبيلة، والنسب، والقرابة، والدولة، والمدينة، والحي، يميل إليها الإنسان بشكل طبيعي.
عرّف علم النفس التعصب بأنه اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك موضوعاً معيناً، أو فرداً آخر غيره، أو جماعة من الناس، أو طائفة أو مذهباً، إدراكاً إيجابياً محباً، أو إدراكاً سلبياً كارهاً، من دون أن يكون لطبيعة هذا الإدراك بجانبيه ما يبرره من المنطق، أو الأحداث أو الخبرات الواقعية. ووفقاً لهذا التعريف، فإن المتعصب عندما يقوم بإدراك موضوع ما «رؤية عقدية مثلاً» إدراكاً إيجابياً متعاطفاً معها، فإنه لا يأخذها على أنها فقط إحدى المعطيات النسبية للحياة الإنسانية، أو أنها رأي يضاف إلى آراء أخرى عدة، لكل منها الحق في خوض غمار تأويله الخاص لذلك الموضوع المثار؛ بل إنه حينما يدركها إدراكاً إيجابياً محباً، فسينظر إليها على أنها حقيقة وحيدة كاملة ناصعة البيان، دامغة الحجة، لا تضاهيها حقيقة أخرى في تماهيها مع المطلق، أما عندما يدركها في جانبها السلبي «رؤى الآخرين المخالفة»، فسيراها ثاويةً في أقصى يسار الحقيقة، عارية من كل ما يمت إليها بصلة، ويترتب على تلك النظرة «غير الواعية» أنه سيعتبر كل من يشاركه الإدراك بجانبيه «الإيجابي تجاه رؤيته المذهبية، والسلبي تجاه رؤى الآخرين»، فهو السعيد سعادة لن يشقى بعدها أبداً، وفي الوقت نفسه الذي يرى فيه كل من لا يشاركه إدراكه ذلك على أنه هالك لا محالة.
من هنا فالتعصب يعدّ ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية، وبالتالي يمكن أن تتعدد مظاهرها من دون أن يغير ذلك من ظاهريتها الاجتماعية البحتة. فالتعصب الديني مثلاً لا يختلف في شيء البتة عن أي تعصب آخر سواء أكان قومياً، أم طائفياً، أم قبلياً، أم وطنياً، أم مناطقياً، أم عرقياً، فكلها صور وتشكلات لظاهرة اجتماعية واحدة لكل صورة منها بواعثها النفسية الداخلية، ومن هذا المنطلق نستنتج أنها ليست صفة بيولوجية، تنتقل تأثيراتها عبر المورثات الجينية من جيل إلى جيل، إنها ببساطة شديدة ظاهرة من ظواهر الاجتماع البشري يستطيع الناس اكتسابها وفق شروط ثقافية واجتماعية معينة.
بناءً على ما تقدم من تقرير اجتماعية الظاهرة التعصبية بكل تحولاتها وتمظهراتها بما فيها التعصب الديني، فإنه يجب إخضاعها، كباقي الظواهر الاجتماعية الأخرى، للدراسة العلمية المعمقة التي تعتمد على توصيف الظاهرة وتحليلها وصولاً إلى أسبابها الحقيقية ومن ثم اقتراح الحلول الناجعة لها، اعتماداً على علاج السبب الدافع والموجه.
ولكن في الحقيقة إن العصبية الدينية، والمذهبية وغيرهما لا يمكن نكرانها، حتى ونحن في القرن ال 21، على رغم محاربة المجتمع والقانون الدولي لظاهرة التعصب، فالحوادث والشواهد والصراعات التي نراها في الصراعات العالمية والإقليمية والعربية تستند إلى هذا الأساس، مهما حاولنا نكرانها. فعلى سبيل المثال، ما الذي يجعل الغرب يساند التاميل؟ وما الذي يجعل إيران وحزب الله والعراق تساند النظام السوري؟ والأمثلة كثيرة صعب حصرها.
تعد الصراعات حول الهوية الدينية والمذهبية، بشتى أشكالها، الأكثر إراقة للدماء في تاريخ البشرية المديد، فالإنسان الذي طالما تمزق بين «أنا» و«هو»، أو «نحن» و«هم» كان أكثر ضراوة حين زاحم وخاصم وقاتل من يختلفون معه في الدين والسلالة والطبقة والثقافة. وتحت هذه البنى الاجتماعية الكبرى تناحر المتمايزون في الفروع من بين المتمركزين حول الطائفة والمذهب واللهجة. حتى الإمبراطوريات الكبرى لم تقلع عن توظيف الهويات في تبرير مشاريعه الاستعمارية، حين صنعت منها أيديولوجيات سهلت لها عملية الحشد والتعبئة، وأمدتها بالمال والرجال.
والهوية، في معناها الأول والبسيط، هي إدراك الفرد ذاته. لكن هذا التصور المبسط لم يلبث أن اتسع وتفاعل داخل العلوم الإنسانية قاطبة، ليشمل الهوية الاجتماعية، والهوية الثقافية، والهوية العرقية، وجميعها مصطلحات تشير إلى توحد الذات مع وضع اجتماعي، تراث ثقافي أو جماعة عرقية. وإذا انطلقنا من الذات وفارقناها إلى المحيط الأكبر، فيمكن الحديث عن هوية الجماعة، التي تعني الوجود أو الإدراك الذاتي المشترك بين تجمع من الناس. والتعدد في الهويات يتكرر لدى كل فرد على وجه الأرض، بما يجعل الإنسان موزعاً طوال الوقت بين انتماءات متقاطعة ومتشابكة، ومتباينة أحياناً. وقد يشترك الفرد في انتماء أو أكثر مع فرد آخر، لكنهما يكونان في الوقت ذاته متناقضين ومتنافرين في انتماءات أخرى. ولنضرب مثلاً على هذا في أن بعض إخواننا من الطائفة الشيعية في السعودية أعلنوا تأييدهم للنظام السوري.
إن الصراع حول الهوية آفة عرفتها البشرية طوال تاريخها المديد، بدءاً من التناحرات العشائرية وغيرها وحتى صراع الدول والإمبراطوريات والحضارات. وصراع الحضارات هو المشهد الأخير في استخدام الهوية رأس حربة ضد الآخر. يقول صمويل هنتنغتون: «الفرض الذي أقدمه هو أن المصدر الأساسي للنزاعات في هذا العالم الجديد لن يكون مصدراً أيديولوجياً أو اقتصادياً في المحل الأول، فالانقسامات الكبرى بين البشر ستكون ثقافية، والمصدر المسيطر للنزاع سيكون مصدراً ثقافياً. وستظل الأمم أقوى اللاعبين في الشؤون الدولية، لكن النزاعات الأساسية في السياسات العالمية ستحدث بين أمم ومجموعات لها حضارات مختلفة، وسيسيطر الصدام بين الحضارات على السياسات الدولية، ذلك أن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل».
لكن ما يجب أن يقال في خاتمة المطاف هو أنه إذا كان لدى أصحاب هوية ما ميل إلى إنتاج عنف مقنع أو منظم، فإن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن التخلي عن الهوية واجب، فهذه مسألة مستحيلة بل مرفوضة تماماً، لكن من الضروري أن يتخلى الأفراد عن التعصب الأعمى لهوياتهم وخصوصياتهم، وأن يؤمنوا بتعدد الهويات وتقاطعها، ويتسامحوا مع الآخر.
* باحث في الشؤون الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.