شاعرٌ وُلِدَ شاعراً. شاعرٌ لم يُغْوِهِ عمود الشعر ولا تقنياته الموروثة، فكانت لغة الحداثة عنده لغة البدايات. وعالمٌ شعريٌّ يعيد إليك العالم كما أدركه الشاعر عبر ما أسميه «مجسَّاته الشعرية»، أعني من دون أن يخضعه لما يخضع له الإدراك من عقلنة. وهذا الإدراك هو ما يجعل بنية الزمن تتهشَّم في شعره، فيتجاور الحاضر والماضي، أو ينغمسان في عجينةٍ واحدة. وهذا الإدراك هو ما يجعل الرمز في هذا الشعر يتَّسم بهذه السمة الشديدة الخصوصية، وهي أن المساحة تضيق بين الرامز والمرموز، فتنفتح الآفاق واسعةً لمخيِّلة القارئ، وتنفتح الرسالة على انتفاء العائد، وتختصر هذا الشعر في موضوعي الحب والموت. قلتُ «موضوعَي الحب والموت»، وأنا أعلم أن الموضوع غير ذي أهميَّةٍ في شعر «محمد علي»، فالأهمية الكبرى لتقنيَّة الكتابة دون سواها. وقلتُ إن من سمات هذه التقنيَّة انتفاء العائد في الرسالة، فالدالُّ يأتي من دون أن يُحضر معه ما يعيد إليه، ويبقى العائد عائماً يفتح الدالَّ على تعدُّديَّةٍ في المدلول، ويفتح الشعر على جماليَّات الإيحاء. ومن سمات هذه التقنيَّة صعوبةُ التعليق. وهي صعوبةٌ نحويَّةٌ بامتياز، تستعصي معها القراءة أو تكاد، ويستعصي الفهم، سيَّان تَعلَّق الأمر بكلمةٍ معلَّقةٍ في فراغٍ، أو سطرٍ شعريٍّ بلا تعليق. أما كسرُ أفق التوقُّع، فتقنيَّةٌ أخرى طاغيةٌ في هذا الشعر. وهي تقنيَّةٌ تعضدها تقنيَّة التضادِّ لتكتبا معاً جماليات الدهشة والمفاجأة في هذا الشعر. ولقد تبلغ هذه الجماليات ذروتها في ما أستطيع أن أسمِّيه، استعارةً، بالواقعية السحريَّة. فالجملة الشعرية، في كثيرٍ من الأحيان، لا يتحكَّمُ بها عائدٌ تعيد إليه، وإنما تتحكَّمُ بها تداعياتها التي تخلق عالماً حرَّ الخيال. أهو العالمُ ابتعد عن عقله، وابتعد عنه عقله، من حيث راح العبث يتحكَّم فيه؟! ذاك هو «محمد علي». شاعرٌ يلعب بالرمز، يذيبه، يدخل منه إلى الكتابة بالحلم حيث تلتقي الأضداد، وتنبثق الصور الجميلة. وفي مجمل شعره، فإن أعماله الشعرية تكشف عن شاعرٍ ذي سويَّةٍ شعريةٍ واحدةٍ، أو قلْ سويَّةً شاعريةً واحدةً، أو مستوى واحداً في تلقِّي العالم. * أكاديمي سوري مقيم في البحرين