غالبية الفرق الموسيقية التي كنا نسمعها حتى اليوم تغني لفلسطين، تستعمل الموسيقى الشرقية والكلمات العربية. وبعضها يحرص على ترجمة تلك المعاني الى اللغات الأوروبية ليفهمها الجمهور الأوروبي. ولعل عمّار الزير البريطاني من أصل فلسطيني وزملاءه في فرقة «دير ياسين» الذين ينتشرون في كثير من البلدان الأوروبية، جاؤوا ليغيروا هذا المفهوم السائد حتى اليوم. فالفرقة الموسيقية التي لا يتعدى عمر أفرادها العشرين سنة، بدأت منذ فترة قليلة بكتابة وأداء أغان سياسية تشرح القضية الفلسطينية ولكن بالموسيقى والألحان الأوروبية الحديثة، ولعل هذا سبب إعجاب الكثير من الشباب الأوروبي بهذه الأغاني. الفرقة التي اشتهرت بأغنية عن حرب غزة الأخيرة بعنوان «غزة تاون»، غنت في أكثر من بلد أوروبي انطلاقاً من بريطانيا حيث ساهمت في العديد من المهرجانات التي أقيمت لشرح حيثيات القضية الفلسطينية. واستطاعت أن تستغني عن الأعداد الكبيرة من الأعضاء، بفضل الآلات الموسيقية الحديثة التي تدمج أصواتاً موسيقية عديدة من دون الكثير من العناء. مرّت الفرقة بصعوبات وعراقيل مادية تواجه معظم الفرق الموسيقية. وزاد صغر سن أعضائها الطين بلّة، إذ تعتبره شركات الانتاج نقطة سلبية في مجال التسويق وجلب الدعم. وكان بعض الأعضاء يترك الفرقة لسبب أو لآخر، تاركاً وراءه فراغاً يصعب سده بسبب قلة عدد الأعضاء المساهمين أصلاً. كما كانت إقامة شبكة من العلاقات العامة داخل القارة الأوروبية معضلة أخرى تحتاج الى حل عملي، إذ كان على الفرقة أن تنتظر وقتاً ليس بقليل لتستقر على تحديد هويتها واتجاهها الفني والفكري، ونوع الموسيقى والأغاني التي تريد تقديمها للجمهور. وتولى عمار الزير (15 سنة) كتابة العديد من الأغاني بنفسه، فيما ساعد ملحن بريطاني متعاطف مع القضية الفلسطينية في تأليف الألحان وتطويرها. فحققت أغنية «غزة تاون» نجاحاً متميزاً في الأوساط الأوروبية والعربية وصارت الأغنية المطلوبة من الفرقة في جميع الحفلات التي تحييها. كما لفتت أعضاء الكثير من المهتمين الى الفرقة وأعمالها، ما جلب لهم المزيد من الدعم والتشجيع وفتح لهم المزيد من الأبواب. وللتغلب على عقدة تعدد اللغات الأوروبية، كوّن عمار شبكة من العلاقات مع شبان في مثل سنه يتولى كل منهم ترجمة الأغنية المطلوبة الى اللغة المحلية والمساعدة في تأديتها. ما ساعد على انتشار الأغاني باللغات المحلية بعد انتشارها بالانكليزية. ويطمح عمار الى جلب المزيد من الأعضاء المحليين لأن القضية «لا تخصه وحده، بل تخص كل صاحب ضمير في العالم». ويُعدّ أعضاء الفرقة حالياً أغنية بست لغات أوروبية، إضافة الى العربية، تتحدث عن غسيل الدماغ البشري وخداعه حول الحقائق في فلسطين والعالم، وما يقولون إنه تحريف وتزييف للحقائق والوقائع، حيث يغدو العربي المهجر من أرضه معتدياً، والاحتلال مظلوماً ومضطهداً. ويقول عمار ل «الحياة» إن من بين أهداف الفرقة التفريق بين المقاومة التي تدافع عن الأرض وبين الإرهاب الذي يعتدي على الآخرين. لكنه يفضل دائماً أن تكون أغانيه عن فلسطين على رغم وجود مواضيع أخرى مهمة مثل العراق، إذ يعتبر أن قلة معرفته بالأحوال السائدة في هذا البلد المحتل ربما تحول دون كتابة وتأدية أغان تناسب الوضع فيه. ويشير عمار الى إنه يلقى الكثير من التشجيع من والديه، فيما يحاول البعض ثنيه عن المضي في نشاطه نظراً للصعوبات والأخطار التي تعترضه وخوفاً عليه من التعرض للمغريات التي أدت إلى انحراف الكثير من فناني هذا النوع من الموسيقى. لكنه يرى أنه يعبر بكل بساطة عن معاناة شعب كامل منذ أكثر من ستين سنة. ويقول إنه في حال تعرضه لأي مكروه فلن يكون أكثر أهمية من أي طفل فلسطيني تعرض لمكروه في الضفة الغربية أو قطاع غزة.