يخوض وزير الثقافة المصري فاروق حسني معركة شرسة للفوز بمنصب المدير العام لمنظمة «يونسكو»، وهو المنصب الذي يطمح إليه ثمانية مرشحين آخرين، كان بينهم (قبل أن ينسحب) مرشح عربي هو وزير خارجية الجزائر السابق محمد بجاد (80 عاماً) الذي رشحته كمبوديا. وهذا ما أعاد إلى الأذهان معركة سابقة خاضها مرشحان عربيان هما غازي القصيبي وإسماعيل سراج الدين للفوز بالمنصب الرفيع نفسه وانتهت بخسارتهما معاً. ولكن تظل المرشحة النمسوية بينيتا فيريرو فالدنر أبرز منافسي فاروق حسني في الانتخابات المقرر إجراؤها خلال أيلول (سبتمبر) المقبل. التقت «الحياة» الوزير حسني العائد لتوه من جولة فرنسية التقى خلالها عدداً من كبار المسؤولين والمثقفين الفرنسيين. هل تشعر أنك واقع بين شقي رحى بين التزامك برفض المثقفين المصريين التطبيع وبين التوجه الرسمي الملتزم بمعاهدة سلام مع إسرائيل؟ - ربما في البداية كانت هناك حيرة، إنما تأكد لي بعد ذلك أن رفض التطبيع لدى جمهور المثقفين يشكل ضغطاً باتجاه السلام العادل الذي ننشده. ما آخر إشارات تأييد ترشيحك؟ - نحن متأكدون من تأييد العالم العربي والعالم الإسلامي، أما أفريقيا فلم يخرج على الإجماع منها سوى دولتي بنين وتنزانيا، بحيث تقدمت كل منهما بمرشح للمنصب. هل يمكن النظر إلى مقالك الذي نشرته في صحيفة «لوموند» الفرنسية باعتباره اعتذاراً عما سبق أن صرحت به بخصوص حرق الكتب الإسرائيلية؟ - ليس اعتذاراً، لكنه تراجع عن قول انفعالي يتعارض مع قناعتي. فما قلته عن حرق الكتب لست مؤمناً به ولم أكن أعنيه، وإنما جاء بغرض فض اشتباك وقتيّ مع قوى رجعية. وأسفي الذي تضمنه ذلك المقال جاء في ضوء مراجعة لما قلته والذي ما كان يصح أن يصدر من وزير ثقافة يؤمن بأهمية سائر الثقافات الإنسانية. هل جاءت في الإطار نفسه دعوة المايسترو بارونبويم الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية لقيادة أوركسترا القاهرة السيمفونية في حفلة دار الأوبرا؟ - هذا المايسترو هو واحد من أبرع قائدي الأوركسترات في العالم، وعندما يقود أوركسترا القاهرة فإنه يقدم نموذجاً لتفاعل الإبداعات الإنسانية، وهو يحمل الجنسية الفلسطينية فكيف لا أدعوه؟ لقد رأيت في دعوته مؤشراً إلى القبول بحوار الثقافات، تلك الفكرة التي يهدمها هجوم البعض على شخصي على صفحات الجرائد في أوروبا وإسرائيل، وهو أمر يتناقض أساساً مع طبيعة أو رسالة أو أهداف منظمة إنسانية مثل «يونسكو» بل إنه ضد التسامح وضد العدل. سبق أن صرحت أن نفوذ إسرائيل إعلامياً ساعد على نشر الأكاذيب عنك، فهل ما زلت تعتقد ذلك؟ - نعم. حينما تجد عواصف صحافية تهب عليك كل مرة من بلد مختلف فإن ذلك معناه أنك تتعرض لحرب ضروس وكأنك مرشح لرئاسة مجلس الأمن وليس لإدارة منظمة إنسانية ثقافية وتنموية. هناك حرب ضروس وغير عادلة تشن ضدي. فالصحف الألمانية مثلاً نشرت عشرات المقالات ضدي وكأنها مسألة حياة أو موت، وأنا لا استبعد أن ينقلب السحر على الساحر في نهاية المطاف. لماذا الهجوم عليك في اعتقادك؟ - لأنهم لا يريدون عربياً في هذا المنصب الرفيع، وكأنهم يستكثرون علينا ما نستحقه. المعركة أصبحت بالنسبة إلي ليست شخصية أو فردية وإنما معركة مصيرية أمثل فيها مصر ولو كانت المسألة شخصية ربما كنت راجعت موقفي، ويكفيني أنني وزير ثقافة دولة صاحبة حضارة عريقة. ما هو انطباعك عن الخطاب الذي ألقاه باراك أوباما الشهر الماضي في جامعة القاهرة؟ - يتطابق هذا الخطاب مع تصوري الذي عرضته في الكتيب الخاص بترشيحي لل «يونسكو» بما ينطوي عليه من التسامح والحوار والقبول بالآخر. هل جرى التحدث مع أوباما خلال زيارته للقاهرة حول دعم ترشيحك؟ - لا، فالظرف لم يسمح بذلك. وماذا عن موقف الكتلة الأوروبية من ترشيحك؟ - هناك تقارير كثيرة متضاربة وأوروبا منقسمة، فهناك من يؤيدني وهناك من يرفع شعار «أنا وابن عمي على الغريب». وأنا أدرك أن المجتمع الأوروبي يعرف قيمة مصر وقدرات المرشح المصري. وهناك دول لا تحب أن تعلن قناعتها بالمرشح المصري حفاظاً على المصالح، وهناك دول أكدت دعمها لي لأنها تتمتع بقوة القرار واستقلاله، ولن تؤثر فيها دعاية مضادة، وهناك دول ترى أن الوقت لم يحن بعد لإعلان موقفها. يقول بعض المثقفين العرب ماذا يضيرك إذا خسرت المعركة بشرف بسبب حملات إسرائيلية، فهذا أكرم لك من أن تكسبها مع تقديم تنازلات؟ - ومن قال إنني قدمت تنازلات؟ لا بد لمن يزعم هذا أن يقرأ ويتابع جيداً ما قلت قبل اتهامي. من قال هذا هل قرأ أنني رفضت التطبيع؟ وهل قرأ أيضاً أنني أدنت العدوان الإسرائيلي المتكرر على الفلسطينيين وقلت أين ضمير الإنسانية؟ هذه هي مشكلة من يحاربون ترشيحي، فهم يحاربونني «نقلاً عن» وليس وفق قراءة ومتابعة أمينة لتصريحاتي ومواقفي. وماذا إذا خسرت المعركة؟ - يكفيني شرف المنافسة التي لم أخضها لمصلحة شخصية، بل إنني اعتبرها تكليفاً، وإذا ما نجحت فإنني اعتبر ذلك تشريفاً دولياً لي ولمصر خصوصاً أنني أخوض هذه المعركة باسم مصر والعرب جميعاً.