يدعو إلى الأسف أن يختتم العام 2011 بمقتل 35 مواطناً كردياً كانوا يعملون في تهريب السلع من شمال العراق إلى تركيا. والحادثة هذه مؤشر إلى أن الملف الكردي سيغلب على مشاغل العام 2012 السياسية حين تصوغ الحكومة الدستور الجديد، أو تندفع نحو نهج أقسى في محاربة الإرهاب و«الحزب الكردستاني»، إثر تصعيد الحزب هذا عملياته العسكرية وحربه النفسية التحريضية. ووفق معلومات اطلعت عليها، تشارف مشكلة «حزب العمال الكردستاني»، وهي شغلت تركيا طوال ثلاثة عقود وراح ضحيتها عشرات الآلاف من الأتراك ودمرت آلاف المنازل وشلّت السياسة واستنزفت الاقتصاد وعززت قبضة العسكر، على الانتهاء. ويرجح ألا يقضى على هذا الحزب، لكنه سيهمّش ولن يعود أبرز تهديد للأمن التركي والاستقرار السياسي. وقد يعلن «حزب العمال الكردستاني» ترك السلاح قبل صيف 2012، إذا لم تقع مفاجأة «من العيار الثقيل» تقطع الطريق على هذا الإعلان، على غرار ما حصل قبل عامين يوم تحولت عملية استسلام مجموعات من مسلحي «الحزب الكردستاني» إلى استعراض عضلات ومسرحية استفزاز وتحريض علني جيّش المشاعر القومية، إثر تسريب جهة مجهولة تسجيلاً صوتياً للمفاوضات السرية بين رئيس جهاز الاستخبارات التركية وقيادات «حزب العمال الكردستاني». والحق أن مشروع إلقاء «الحزب الكردستاني» السلاح، والمفاوضات السرية، يرهصان بانعقاد ثمارهما، ولو ظن بعضهم أن تلك المساعي توقفت. وأردوغان أعلن أنه مستعد لاتخاذ قرارات صعبة إذا اقتنع بأنها ستؤدي إلى وقف العنف وإراقة الدماء، ويبدو في ولايته الأخيرة عازماً على الإقدام على خطوة جريئة وأنه أقنع الجهاز الإداري والبيروقراطي في المؤسسات الأمنية التركية والعسكرية بحل المشكلة الكردية. لكن يداً واحدة لا تصفق. لذا، عقدت الاجتماعات واللقاءات بزعيم «الحزب الكردستاني»، عبدالله أوجلان وقياداته الذين خلصوا كذلك إلى إخفاق الخيار الأمني. أحرزت عمليات الجيش التركي، في الشهرين الأخيرين، نجاحاً كبيراً ضد مسلحي الحزب، وهي استهدفت القيادات المتطرفة والرافضة لأي حل سلمي أو سياسي. وقضى الجيش أخيراً على 115 مسلحاً بينهم قياديو 12 منطقة من أهم المناطق، وسلّم 30 آخرون أنفسهم إلى الجيش. وأربك نجاح هذه العمليات حزب «العمال الكردستاني». وإلى النجاح العسكري، يعد مشروع سياسي - اجتماعي يرمي إلى حل القضية الكردية حلاً ديموقراطياً، ويتولى نائب رئيس الوزراء التركي، بشير أطالاي، الإشراف عليه. وخطت الحكومة خطوات على طريق الاعتراف بالهوية الكردية، ولم يبق أمامها إلا خطوة إجازة تعليم اللغة الكردية في المدارس الحكومية تعليماً اختيارياً. وترمي المساعي إلى تعديل قوانين الإدارة المحلية لمنح الأقاليم حكماً إدارياً شبه ذاتي: حق انتخاب الولاة والمحافظين عوض تعيينهم. وينتظر أن تقر هذه التعديلات مع إبصار الدستور الجديد النور قبل الصيف القادم. وبعد إقرار هذه الإصلاحات السياسية، يفترض أن تبدأ الخطوة الثانية التي اتفق عليها في جلسات الحوار السري مع الحزب الكردستاني، أي ترك السلاح، والعودة إلى الوطن، والنزول من الجبال، وإحجام هذا الحزب والدولة عن الاحتفال بالنصر، أي ختم النزاع في صمت وهدوء. ويعد قانون عفو خاص وغير مسبوق يشمل قيادات الحزب وعناصره من طريق تخفيف الأحكام عنهم أو إسقاطها. ولن يستثنى أوجلان من هذه الإجراءات. وليس في الوسع التنبؤ إذا كان اوجلان سيعيش حراً طليقاً بعد سنتين، لكن المؤكد أن ظروف سجنه ومعيشته ستختلف كثيراً تباعاً وعلى وقع تنفيذ الاتفاق. * معلق، عن «راديكال» التركية، 2/1/2012، إعداد يوسف الشريف