بنبرات صوت حبس مخارجه ألم وأنين، يخفي أجزاء من مفرداته بكاء وعويل، ودموع تتناثر على وجنتي محمد خير، بذاك المشهد، روى المقيم من الجنسية الباكستانية ل «الحياة» فصول فقدان حصيلته من الإنجاب (ثلاث زهرات) أذبلهن حريق شب في منزل أسرته قبل ثلاث ليال وحول وضاء بريقهن إلى رماد. وقال والد (الصغيرات) اللائي قضين بنيران لا ترحم براءة ولا تعرف طفلاً من شيب: «عادتي اليومية التي انتهجتها مع طفلاتي، تخصيص وقت في الغالبية قبل النوم ويوم الجمعة كاملاً باعتباره إجازتي الأسبوعية لمداعبتهن، والتحدث إليهن والإصغاء إلى مطالبهن التي تحفل دائماً بالمواقف الطفولية الطريفة، وفي داخل نفسي أتطلع إلى الوقت الذي أحقق فيه أمنياتهن ونستمر على برنامجنا البسيط المليء بما يدخل البهجة إلى نفوسهن ساعات من الليل بصورة يومية إلى أن يغلبهن النعاس الذي يدخلهن في نوم عميق ما إن يفقن منه إلا ويدب الحراك في أجسادهن صبيحة كل يوم ويشرعن في البحث عن والدهن الذي ذهب باكراً للبحث عن مصدر رزقهن، وتخلص نتائج البحث إلى أنهن لم يجدنني في المنزل ويستسلمن وينغمسن في تباريح طفولتهن في انتظار أوبتي». وبعد توقف قسري عن الحديث الذي عارضته تنهيدة أب مكلوم بأعز ما يملك بل جميع ما يملك، مضى يسرد حكاياته مع من ودعهن ولم يرتو بعد من قربهن في حضنه: «عندما أعود عقب انقضاء ساعات العمل أجدهن في استقبالي ما يجعلني أتناسى الأتعاب وأندمج في الجو الأسري». وأضاف محمد خير: «هن بحثن عني ووجدنني أشعر بهن، بيد أنني بحثت عنهن يوم النكبة (السبت الأسود) ولم أجدهن إلا في ثلاجة الموتى، جثثاً هامدة»، وتابع: «اختلف كثيراً مطلع الأسبوع الحالي إذ لم يستيقظن من نومهن إطلاقاً الذي تحول إلى أبدي، وذهبت صغيراتي تحت لهيب النار الذي لا يعترف بالرحمة إلى أعداد الأموات، انقلبت حياتي رأساً على عقب، واسودّ الكون بأكمله في وجهي، فالمصاب جلل والكسر عظيم». وعن كيفية تلقيه النبأ، أبان أن اتصالاً ورده من أحد أقربائه يطلب حضوري للمنزل للأهمية، وأردف: «حاولت في البداية استطلاع الأمر وأنه أخفى علي السبب بل شدد على أنه لم يخبرني بشيء إلا في المنزل وعاجلاً، وفي الطريق ساورتني كل الشكوك بأن أحداً من أفراد عائلتي تعرض لمكروه، خصوصاً أننا خمسة أشقاء تقطن عائلاتنا في البناية نفسها، ولم يخطر في نفسي أن المصيبة بهذا الحجم الذي لم أعلم عنه إلا من طريق منسوبي الدفاع المدني الذين أخمدوا الحريق وتم إبلاغي بالحقيقة التي من الصعب تجرع مرارتها، إذ ما زلت أتصور أنني أعيش فصول حلم مرعب لا يمكن لإنسان أن يخرج منه بكامل قواه العقلية». وأشار إلى أنه تعاطف مع وضعه سكان الحي من الجنسيات كافة رجالاً ونساء وأطفالاً وتهافتوا على منزله لمواساته والأخذ بأيديه «لعلنا نتجاوز هذه المرحلة الصعبة»، لافتاً إلى أن زوجته لم تتناول الطعام والشراب طيلة اليومين الماضيين نهائياً من هول المصيبة ما أدى إلى تدهور حالها الصحية ما استدعى نقلها للمستشفى. وبعد محاولات عدة لتصبيره، بدأ يقول: «ليس أمامي وزوجتي سوى الصبر الذي سيستمر طول العمر، وتقبل ما جاءت به الأقدار بإيمان قوي»، متابعاً لم تدع النار شيئاً إلا أحرقته بشراستها والتهمت أطفالي شذى وندى وميعاد، وأسأل الله أن يعوضني خيراً، إذ إنني لا أعرف النوم سوى دقائق معدودة من شدة التعب ولم تخل من حضور صورهن وأصواتهن في مخيلتي. مدير العلاقات العامة والمتحدث الرسمي باسم إدارة الدفاع المدني في محافظة الطائف العقيد خالد القحطاني أكد ل «الحياة» أن الجثث ما زالت في ثلاجة الموتى في مستشفى الملك فيصل في انتظار صدور تقرير الطب الشرعي. وأوضح أن أوراقهن الثبوتية التهمتها النيران أثناء الحريق، مبيناً أن والد المتوفيات خلال التحقيقات الأولية التي أجرتها إدارة مدني الطائف حول ملابسات الحادثة لم يوجه الاتهام لأحد وأظهر قناعته أن ما حدث قضاء وقدر.