أعلنت هيئة التنسيق الوطنية السورية لقوى التغيير الديموقراطي في بيان صباح أمس أنها توصلت إلى اتفاق مع المجلس الوطني السوري يرسم «معالم دولة الغد» ويُحدد المرحلة الانتقالية التي ستلي إسقاط النظام في وقت تواصل عمل المراقبين العرب في سورية وعمليات القتل التي أسفرت عن سقوط 21 قتيلاً عشية رأس السنة الجديدة التي قد تشهد «تسوية» أم تغييراً شامل أو حرباً أهلية. ويضم المجلس الوطني الجزء الأكبر من المعارضة السورية في الخارج، بينما تضم الهيئة أحزاب تجمع اليسار السوري وحزب العمل الشيوعي وحزب الاتحاد الاشتراكي و11 حزباً كردياً إلى جانب شخصيات معارضة. وقالت الهيئة في بيانها: «نزف نبأ توقيع الاتفاق السياسي» مع المجلس الوطني في القاهرة «اثر محادثات استمرت لأكثر من شهر شارك فيها عدد كبير من قيادات الطرفين». وأوضحت الهيئة أن برهان غليون رئيس المجلس الوطني وقع الاتفاق، إلى جانب هيثم المناع ممثلاً عن هيئة التنسيق. وأضافت الهيئة أن «الاتفاق ينص على تحديد القواعد السياسية للنضال الديموقراطي والمرحلة الانتقالية محدداً أهم معالم سورية الغد التي يطمح إليها كل حريص على كرامة الوطن وحقوق المواطن وأسس بناء الدولة المدنية الديموقراطية». وسيُسلم الاتفاق كوثيقة رسمية إلى الجامعة العربية بعد ظهر اليوم الأحد في القاهرة بحضور الأمين العام نبيل العربي. وينص الاتفاق خصوصاً على «رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة واستقلال البلاد»، لكنه يؤكد أنه «لا يعتبر التدخل العربي أجنبياً». كما يقضي «بحماية المدنيين بكل الوسائل المشروعة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان». وعلى أن «تبدأ المرحلة الانتقالية بسقوط النظام القائم بأركانه ورموزه كافة» أي «سقوط السلطة السياسية القائمة مع الحفاظ على مؤسسات الدولة ووظائفها الأساسية». وتنتهي هذه المرحلة بحسب الاتفاق «بإقرار دستور جديد للبلاد يضمن النظام البرلماني الديموقراطي المدني التعددي والتداولي وانتخاب برلمان ورئيس جمهورية على أساس هذا الدستور». ويوضح الاتفاق أيضاً أن المرحلة الانتقالية هي «الفترة التي تقع بين قيام سلطة ائتلافية اثر سقوط النظام وقيام مؤسسات الدولة وفق دستور دائم يقره الشعب ولا تتجاوز السنة من تاريخ قيامها قابلة للتجديد مرة واحدة». وفي شأن الأكراد، أكد البيان «أن الوجود القومي الكردي جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري وهو ما يقتضي إيجاد حل ديموقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضاً وشعباً». وأكد موقعو الاتفاق اعتزازهم «بمواقف الضباط والجنود السوريين الذين رفضوا الانصياع لأوامر النظام بقتل المدنيين المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية». وتابع: «لم يطبق النظام السوري أي بند في البروتوكول ولا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي». ميدانياً، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «قوات الأمن السورية أطلقت الرصاص الحي في الهواء لتفريق آلاف المتظاهرين الذين توافدوا إلى ساحة الجامع الكبير في مدينة دوما للمشاركة في تشييع شهداء قتلوا الخميس». وأضاف المرصد أن «تشييع ثلاثة شهداء قتلوا الجمعة في إدلب برصاص قوات الأمن السورية تحول إلى تظاهرة حاشدة توعدت بالانتقام من النظام والقتلة». وفي بلدة طيبة في محافظة حماة، توفيت شابة في ال21 من العمر «متأثرة بجروح أصيبت بها خلال إطلاق رصاص الجمعة في حماة». وقالت مصادر في هيئة التنسق ل «الحياة» أمس إن الاتفاق الذي وقع في القاهرة مساء أول من أمس تم بعد تذليل العقبة الأخيرة المتمثلة ب «تشكيل لجنة تنسيق مشتركة تحترم قراراتها من قبل الجميع» كحل وسط بين موقفي «المجلس الوطني» الداعي إلى تشكيل لجنة متابعة غير ملزمة و «هيئة التنسيق» التي كانت تطالب ب «قيادة مشتركة». وتابعت المصادر أن الوثيقة المشتركة وقعت في القاهرة بعدما حصل غليون على «موافقة نهائية» من «المجلس الوطني»، وأن هذه الوثيقة ستُودع اليوم لدى الأمانة العامة للجامعة العربية بهدف الاتفاق على موعد مؤتمر المعارضة ومدته والجهات التي ستدعى إليه. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن المفاوضات التي كانت جارية بين «المجلس الوطني» و «هيئة التنسيق» في الأسابيع الماضية أظهرت خلافاً حول نقطتين: الأولى، الموقف من التدخل العسكري. والثانية، الموقف من «الجيش الوطني الحر». وأوضحت أن «المجلس» كان يريد «موقفاً مائعاً، لا يتضمن المطالبة بالتدخل العسكري الخارجي ولا رفضاً مطلقا له» مقابل تمسك «هيئة التنسيق» بموقف «صريح وواضح برفض التدخل العسكري الخارجي»، الأمر الذي تم التعبير عنه في الوثيقة الأخيرة ب «رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة واستقلال البلاد». وتابعت المصادر: «منذ البداية كان هناك تفاهم إزاء حماية المدنيين، وأن هيئة التنسيق أصرت على أن يكون ضمن القانون الدولي» إلى حين الوصول إلى عبارة تؤكد على «حماية المدنيين بكل الوسائل المشروعة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان». وعن موضوع الموقف مما يسمى «الجيش الحر»، قالت المصادر إن «المجلس الوطني» كان ينظر إليه باعتباره «شريكاً في المرحلة الانتقالية» مقابل رفض «الهيئة» هذا الأمر وتمسكها ب «عدم إعطائه أي دور سياسي»، فلم يجر ذكره في الوثيقة، واكتفى الطرفان بكلام عمومي. وقال أحد الذين شاركوا في المفاوضات عن «هيئة التنسيق» إنه «لاحظ» وجود «أطراف وأشخاص، كانوا يخربون الاتفاق كلما وصلنا إليه وكأن ليس لهم مصلحة في ذلك. لذلك حرص المناع أن يطلب من غليون الحصول على موافقة المجلس على الوثيقة قبل توقيعها وهذا ما حصل». وقال نشطاء أمس إن المعارضة متشائمة في شأن فرص نجاح فريق مراقبي الجامعة العربية مشيرين إلى أنه لا توجد ثقة كبيرة في قدرة فريق صغير من المراقبين في تحقيق انسحاب للقوات المسلحة من معظم المدن المضطربة ما يفتح الطريق أمام تغيير سلمي. ويخشى بعض النشطاء انزلاق البلاد إلى حرب أهلية إذا فشلت مهمة المراقبين العرب. وتوقع زعيم معارض في المنفى أن تضطر الأممالمتحدة إلى التدخل. وقال ناشط، يدعى زياد من حي دوما بريف دمشق التي أصبحت مركزاً للاحتجاجات، «لا نعرف ماذا نفعل. لكننا نعرف أنه لا الأسد ولا نظامه سيعطينا ما نريد». وتابع متسائلاً: «لماذا يتعين علينا الانتظار كي يساعدوننا». وأضاف أن «الأسد يريد أن نشهر أسلحتنا وأن نتقاتل ويدفعنا في هذا الاتجاه كل يوم. نريد من المراقبين أن يساعدوننا للتوصل إلى حل لكن ذلك لن يحدث». وقال برهان غليون إن بعثة الجامعة العربية مصيرها الفشل. وأبلغ تلفزيون الجزيرة: «إذا فشل النظام في تلبية الالتزامات التي أخذها على عاتقه فليس هناك حل آخر سوى الذهاب إلى مجلس الأمن... نحن في طريقنا إلى مجلس الأمن». وأضاف: «كما رأيت اليوم النظام لا يزال يستخدم القناصة ولا يزال يستخدم الشبيحة ولا يزال يمنع الشعب من التظاهر في الساحات العامة». ويخشى بعض السوريين من أنه إذا لم يوافق الأسد على تغيير سلمي فإن استمرار العنف سيشعل حرباً طائفية بين الغالبية السنية التي تدعم التمرد والأقليات ومن بينها الطائفة العلوية التي لا تريد تغييراً للنظام. ووقع الرئيس السوري على خطة وضعتها الجامعة العربية لسحب قواته وأسلحته الثقيلة على نحو يمكن التحقق منه من بلدات ومدن سورية تشهد احتجاجات وتحاول قواته سحقها منذ آذار (مارس). وأشارت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) في تقارير مطولة أمس إلى خروج تظاهرات حاشدة تأييداً للأسد وضد «المؤامرة التي يتعرض لها الوطن». وقال ناشط اسمه أبو خالد في اتصال هاتفي من إدلب مع وكالة «رويترز» إننا «مصممون على أن نريهم (المراقبين) أننا موجودون، ليس مهماً وجود إراقة دماء من عدمه». وعرض شريط مصور لأحد الهواة من إدلب مراقبين يرتدون قبعات بيسبول بيضاء وسترات صفراء يسيرون وسط حشود من المحتجين. واندفع البعض نحو المراقبين محاولاً إسماع صوته وسط الآلاف الذين كانوا يهتفون «الشعب يريد تحرير البلاد».