في دراسته المنشورة في صحيفة «الرياض» بتاريخ 24 (حزيران) يونيو الماضي أوضح الباحث مشعل العتيبي أن أسباب التعسف في استعمال حق الولاية على المرأة تعود إلى «جهل الأولياء بحقوق المرأة، مروراً بالتعسف في استخدام حق الولاية وجعله وسيلة لسلب المرأة مقومات إنسانيتها وحقوقها، وانتهاءً بالعادات المتوارثة تجاه المرأة ودورها في التقليل من مكانة البنات». وأوضحت دراسة الباحث أن التعسف يشمل منع المرأة من العمل والزواج والطلاق، وحرمانها من الوصية، والمبالغة في تأديبها، وهناك ما أوردته أيضاً الصحيفة نفسها في العدد التالي عن تصريحات فتيات تعرضن للتحرش الجنسي والجسدي والنفسي من أولياء مدمنين، وكيفية رفض القضاة التعاون معهن بنزع ولاية الأب المدمن وتولية أحد الإخوة، أو رفض خلع زوجة المدمن، لأن القاضي يرى وجوب أن تقف الزوجة مع الزوج في أزمته، وإن لم يكن برضاها، بل إن أحد القضاة اقترح على إحدى الفتيات أن تجلب له رجلاً ليزوجها إياه حتى ينزع ولاية والدها المعنّف. أما ما يقترحه الباحث - بعيداً عن استنفار النوايا الطيبة لدى الأولياء - لحل مشكلة فساد الأولياء وتعنيفهم فيسرده في تقاط عدة، فيقترح دعوة القضاة إلى تأخير حقوق الولي المعنّف في معاملاته الحكومية، وتدريس الحقوق الأسرية في المراحل الثانوية، وإلزام الشباب والفتيات بأخذ دورات تثقيفية، أو ما سماه «رخصة النكاح»، في تشابه مع ما اقترحه الدكتور عايض القرني في الإعلام من قبل بإنشاء «جامعة الحياة الزوجية»، وإنشاء جمعيات خيرية لتزويج الفتيات المعنّفات، وصرف معونات شهرية للعوانس لأن العوانس «يتامى» بلا زوج، ومنح رخص عمل للمرأة من بيتها بما «يناسب خصوصية المرأة وحرمتها»، وفي مقابلة مع مسؤولة الحماية الاجتماعية في منطقة الرياض الدكتورة موضي الزهراني، أوضحت أن عدد النساء المعنّفات يفوق إمكانات دار الحماية الاجتماعية، واقترحت أن تتولى إمارات المناطق مسؤولية تلك النساء كجهات قادرة على توفير الحماية الأمنية اللازمة لردع المعنّفين. والقارئ لمثل تلك الأخبار في مواجهة تزايد مشكلات العنف مع المرأة لا يملك سوى أن يخرج بعدد من الانطباعات، أولها: أن المرأة في نظر الباحث والنظام الاجتماعي كائن قاصر كالطفل تماماً، وغير قادر على الحياة المستقلة بلا ولي قادر، أو جهة رسمية، أو أمنية تتولى حمايته، ثانيها: أن الولي في حال تعسفه في استخدام ولايته، سواء جسدياً أو مادياً أو أدبياً، فالحل الأقصى الذي يقدمه القانون - في حال استطاعت المرأة إثبات الضرر للقاضي الذي قد لا يُقر حقها - هو نقل ولايتها إلى ذكر آخر أو إحدى مؤسسات الدولة، وثالثها: أن مفهوم إساءة الولي لسلطاته في التعامل مع النساء لا يزال يُنظر إليه كمشكلة فهم بحقوق المرأة والزوجة حتى من رجال الدين، في تشابه ما لحل مشكلة «السعودة» بتدريب السعوديين على العمل كنتيجة للتغلب على واقع مخرجات التعليم السيئ، والتشابه هنا هو أن الإرث الاجتماعي المتواتر الذي يتيح للرجل الانتقاص من قدر المرأة واستغلالها لن يحله درس ما في الحقوق، كما لن تحل مشكلة عدم تأهيل السعوديين لسوق العمل وتدارك الضعف الشديد في التعليم الرسمي دورة ما لشهور عدة، وهناك الانطباع الأخير أن حل مشكلة المرأة المعنّفة «اليتيمة» والضعيفة بلا زوج هو أن تنفق عليها الدولة، أو تعينها برخصة ما لتعمل من بيتها، وفي التعليق الدراسة والحلول المقترحة أعود هنا إلى نتائج التقرير الدولي للجنة مكافحة التمييز ضد المرأة عن المملكة العربية السعودية، الذي اعترض على نظام الولي المعمول به في النظام لدينا، وهو يسمح بأن تبقى امرأة سعودية راشدة رهناً لسلطة ولي ذكر، ليس لأي فضل فيه سوى لكونه ذكراً، وإن فاقته في العقل والقدرة على الكسب، وقديماً قرر الفقه الإسلامي مفهوم قوامة الرجل على المرأة بالإنفاق والسعي لتصريف شؤونها، وليس للنظر في تعليمها أو عملها أو تنقلاتها أو زواجها، أو ما إلى ذلك والاعتراض عليه بما لا يحقق مصلحة للمرأة. وبالنظر إلى تعليم المرأة وواقع أن معظم النساء حصلن على قسط كافٍ من التعليم يؤهلهن عقلياً ونفسياً للتعامل مع المجتمع ككائن راشد قادر على الاعتماد على نفسه، وعلى الحصول على عمل في حال توفر فرص عادلة للنساء للعمل، فلا يوجد مبرر لاستمرار اعتماد المرأة على الولي في الكسب، وينبغي النظر في العوائق التي نضعها لتقنين عمل المرأة بدعوى حمايتها من الاختلاط بالرجل - على تناقض ذلك مع نظرتنا للرجل كولي وحامٍ لها - والباحث الذي يقترح عمل المرأة من بيتها يفترض أن يكون لديها مقر آمن للعمل في منزلها، وهو ما لا يتوافر للكثير من المعنّفات، ويفترض امتلاكها لمهارات العمل المستقل التي تجعل المجتمع يستفيد من مهاراتها وخدماتها وهو ما ينافي الواقع، فالعمل المستقل من المنازل لا يوفر كسباً إلا لصاحبات مهارات متميزة، ورأس مال كافٍ، لذلك فالعمل تحت مظلة رسمية مقننة، والحصول على معاش شهري ثابت في مقابل ساعات يومية هو الحل الأكثر واقعية للنساء على بساطة مهاراتهن وخبراتهن. وأتساءل أيضاً أي مصير أفضل للمرأة، أن تعمل في مقر رسمي، وإن كان مختلطاً ومحكوماً بقوانين للعمل يقنن التعاملات بين الجنسين، أو أن تبقى مستقبلة للمعونة المادية - التي يفترض أن تكفي عدداً كبيراً من النساء بحسب تصريح مسؤولة الحماية الاجتماعية - من الدولة أو المؤسسات الخيرية بلا أي منطق على رغم قدرتها على العمل؟ النساء في بلادنا اقتحمن مجالات العمل المختلطة وغيرها في المستشفيات والبنوك والإعلام ولم يؤدِ ذلك إلى أي كوارث اجتماعية أو شخصية، كما أدى اعتمادهن المطلق على الرجال «كيتامى» ضعيفات في تصريف شؤون حياتهن، ومسألة عجز الدولة أن تمنح كائناً راشداً ولاية نفسه، وأن تبحث لكل امرأة عن ولي آخر لتصريف شؤونها لهي من المفارقات المؤلمة، فليس هناك أسوأ من أن تعامل النساء كقاصرات لا يملكن لأنفسهن شيئاً بحكم القانون والمجتمع، وأنا هنا أحيي الفتيات والنساء اللاتي استطعن كسر الحاجز النفسي وإرهاب الأسرة واللجوء لطلب المساعدة، حتى وإن لم يحصلن عليها، وحتى إن سلمهن القاضي إلى مصير أسوأ، نحن أمام نساء يستطعن الالتحاق بعمل كريم والحياة بما يحفظ سلامتهن النفسية والجسدية والأمنية بعيداً من التعنيف والأذى، وعلى رغم ذلك نسلمهن كالأرقاء إلى الذكور حولهن وإلى مؤسسات الرعاية إلى ما لا نهاية، بلا أي أمل في حياة كريمة مستقلة، لأن أحداً من الباحثين أو رجال الدين أو واضعي القانون لم يقترح أن تتسلم كل امرأة راشدة ولاية نفسها، فلا زلنا على رغم كل ما نرفعه من شعارات حول تكريم الإسلام للمرأة، واعتبار مكانتها المستقلة مادياً وأدبياً إلا أننا لا ننظر إليهن في النهاية سوى كياتمى أو ناقصات عقل ودين. * كاتبة سعودية - الولاياتالمتحدة الأميركية [email protected]