على رغم الظروف الصعبة التي يمر فيها الاتحاد الاوروبي بسبب أزمة اليورو التي أوحت بأن بروكسيل ستخفف من توسيع الاتحاد ليشمل دول غرب البلقان (كرواتيا وصربيا وكوسوفو والبوسنة والجبل الاسود وألبانيا ومقدونيا)، إلا أن اجتماع وزراء الخارجية في 8/12/2011 أثبت أن الاتحاد لا يزال عند وعوده لهذه الدول وعند اشتراطه الاصلاحات المطلوبة والتعامل مع هذه الدول وفق تقدمها في انجاز تلك الاصلاحات. كانت كرواتيا على رأس القائمة، حيث وقّع الرئيس ايفويوسيبوفيتش ورئيسة الحكومة يادرانكا كوسور في بروكسيل مع أعضاء الاتحاد ال 27 على انضمام كرواتيا الى الاتحاد في 1 تموز (يوليو) 2013 لتصبح العضو ال 28. وفي حين اعلن الرئيس الكرواتي أن هذا «يوم تاريخي» لكرواتيا فقد عبّرت رئيسة الحكومة الكرواتية عن سعادتها لأن اللغة الكرواتية ستصبح اللغة ال 24 في الاتحاد. واحتلت جمهورية الجبل الاسود (مونتنغرو) المرتبة الثانية في مكافآت الاتحاد الاوروبي حيث تبدأ في حزيران (يونيو) 2012 المفاوضات للانضمام الى الاتحاد. وكانت الجبل الاسود قد انفصلت عن صربيا في 2006 وتقدمت بطلب للانضمام الى الاتحاد في 2008 الى أن كوفئت الآن بتحديد موعد المفاوضات. موعد غير نهائي ولكن هذا الموعد ليس نهائياً لأن خبرات وخيبات الاتحاد في السنوات الماضية، وبخاصة مع القبول المتسرع لرومانيا وبلغاريا في 2007، جعلت بروكسيل تتشدد في معايير القبول. وبعبارة اخرى فإن الجبل الاسود كوفئت الآن لتستمر في الاصلاحات الاقتصادية والقانونية، بخاصة في مجال مكافحة الفساد الخ، حتى حزيران 2012 إلا إن هذا الموعد يمكن أن يؤجل الى وقت آخر إذا تبين ان الاصلاحات المطلوبة لم تنفذ. وعلى رأس الدول التي كانت واثقة من تقدمها نحو بروكسيل في هذه المرة كانت صربيا تأمل في أن تحصل على وضعية «دولة مرشحة». وكان الرئيس الصربي بوريس تاديتش قد رفع منذ انتخابات 2008 «الخيار الاوروبي» وربط مصيره السياسي في مواجهة اليمين القومي للانضمام الى الاتحاد الاوروبي بأقصى سرعة. ولمواجهة اليمين القومي رفع تاديتش شعار «الاتحاد الاوروبي وكوسوفو»، أي أنه يريد أن ينضم بصربيا الى الاتحاد الاوروبي ولا يريد في الوقت نفسه أن يتخلى عن كوسوفو التي لا تزال وفق الدستور الصربي الحالي «جزءاً لا يتجزأ من صربيا». وتبيّن في الشهور الاخيرة أن بعض دول الاتحاد (وبخاصة ألمانيا) تطلب من صربيا «ترتيب» علاقتها مع كوسوفو كشرط مسبق من دون أن يعني هذا بالضرورة اعتراف بلغراد بكوسوفو. وكانت بروكسيل قد أنجزت اختراقاً في آذار 2011 حين أطلقت محادثات مباشرة بين بلغراد وبريشتينا حول جملة من المواضيع غير السياسية (الطاقة والاتصالات والجمارك والمعابر الحدودية الخ). وتوصلت الجولة الثامنة من هذه المحادثات الى انجاز مهم عشية اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي المذكور، حين أُعلن عن التوصل الى اتفاق «الادارة المشتركة للمعابر»، الذي جاء بعد شهور من مقاومة صرب شمال كوسوفو لاعتراف بلغراد بالمعابر الحدودية بين صربيا وكوسوفو. أزمة المعابر كانت صربيا تسميها «معابر ادارية» بينما هي «معابر حدودية» بالنسبة الى كوسوفو، وجاء الاتفاق الآن ليشمل مشاركة القوات الاوروبية (الاولكس) في هذه «الادارة المشتركة» التي تطبق بين بعض دول الاتحاد الاوروبي. ولكن بلغراد كانت تأمل من خلال التنازلات التي قدمتها أن تنال على الاقل في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي وضعية «دولة مرشحة»، في حين أن وزراء الخارجية أجلوا ذلك «الضوء الاخضر» الى شباط (فبراير) 2012 حين يجتمع مجلس وزراء الاتحاد ليتخذ هذا القرار في ضوء تطبيق الاتفاقات التي تم التوصل اليها بين بلغراد وبريشتينا وتحسن العلاقات بين الدولتين. ولكن هذا القرار يعني في الواقع الضغط على تاديتش ليخرج من مظلة «الاتحاد الاوروبي وكوسوفو» لأن بروكسيل تريد حتى شباط نتائج ملموسة لتحسن العلاقات بين بلغراد وبريشتينا، وهو ما يجعل اليمين القومي في صربيا يصعد حملاته ضد الرئيس تاديتش باعتباره «خان الامانة» و «تخلى عن كوسوفو». وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن صربيا مقدمة على انتخابات برلمانية مبكرة في ربيع 2012 فإن هذا يعني أن عدم حصول صربيا على وضعية «دولة مرشحة» في شباط 2012 هو بمثابة «مكافأة» الى اليمين القومي الصربي الذي يمكن أن يتقدم في الانتخابات البرلمانية. ونظراً الى أن كوسوفو قد عبّرت بدورها عن مرونة في محادثات بروكسيل فإن الاتحاد الاوروبي قرر مكافأتها ببدء الحوار معها حول «لبرلة» أو تحرير التأشيرات في كانون الثاني 2012 وذلك بالاستناد الى اقتراح تقدمت به مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد سيسيليا مالمسترون الى وزير الداخلية الكوسوفي بيرم رجبي. وتعتبر هذه «المكافأة» مهمة لكوسوفو لانها عملياً الخطوة الاولى في السير نحو بروكسيل في شكل مختلف عن المسار الصربي. وبذلك تكون كوسوفو آخر دولة في البلقان تنضم الى منطقة الشنغن بعد صربيا وألبانيا والبوسنة ومقدونيا التي انضمت اليها مؤخراً. في الوقت الذي تشعر بلغراد بالخيبة لعدم حصولها على وضعية «دولة مرشحة» فإن هناك دولاً حصلت على هذه الوضعية منذ سنوات ولم تتقدم بعد نحو بروكسيل. ومن هذه الدول «جمهورية مقدونيا» التي عرقلت اليونان في السنوات الاخيرة تقدمها نحو بروكسيل بسبب الاسم لأنها تعتبر «مقدونيا» من تراثها القومي. وكانت «جمهورية مقدونيا» أعلنت استقلالها عن الاتحاد اليوغسلافي في 1991 وقبلت في الاممالمتحدة باسم موقت هو «فيروم» (الاحرف الاولى من «جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة») الى أن تتفق مع اليونان على حل حول الاسم. وفي هذا السياق توصلت الدولتان في 1995 الى اتفاق على استمرار التفاوض حول الاسم من دون أن تستغل اليونان ذلك لعرقة اندماج «فيروم» في الهيئات الاوروأطلسية. ولكن اليونان عرقلت بالفعل انضمام «فيروم» الى حلف الاطلسي في 2008 ما دفع سكوبيا الى رفع شكوى الى محكمة العدل الدولية. ومع أن المحكمة أصدرت رأيها عشية اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في 8/12/2011 الذي قالت فيه أن اليونان انتهكت اتفاق 1995، إلا أن بروكسيل لن تقدم أية «مكافأة» جديدة لسكوبيا ما لم تعبّر عن مرونة أكبر مع أثينا في المفاوضات للتوصل الى اسم مقبول من الطرفين («جمهورية مقدونيا الشمالية» الخ). ربما يمكن القول إن البوسنة جاءت في المرتبة الاخيرة هذه المرة لأن الاوضاع فيها لا تتحسن أبداً لكي تنال أية «مكافأة». فالبوسنة لا تزال من دون حكومة منذ انتخابات تشرين الاول (اوكتوبر) 2010 والانقسام يتزايد بين «جمهورية الصرب» (التي تسيطر على 49 في المئة من البوسنة بموجب اتقاقية دايتون) و «الفيديرالية البشناقية الكرواتية»، حتى أن وزير الخارجية الايطالي السابق فرانكو فراتيني عبّر في 12/12/2011 عن واقع الحال بالقول إن «دول الاتحاد الاوروبي أصبحت متعبة من مشاكل البوسنة».