أمام حديقة «الميرلاند» في حي مصر الجديدة الراقي في القاهرة، اصطفت أمس عشرات من سيارات «التاكسي» أعلن سائقوها الإضراب، احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود بنسب كبيرة. وفي موقف حافلات نقل الركاب بالأجرة المواجه لقصر القبة الرئاسي، تشاجر سائقون مع ركاب احتجوا على رفع الأجرة. وفي سوق بيع الخضر والفاكهة المجاور لموقف السيارات، ظل رواده يهمهمون غضباً من رفع الباعة الأسعار في شكل رأوا أنه مبالغ فيه، ما طرح تساؤلات عن مدى تأثير القرارات الجديدة في شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي (للمزيد) حال الارتباك تلك سادت الشارع المصري أمس بسبب قرار الحكومة رفع أسعار الوقود، وهو القرار الذي عادة ما يتبعه ارتفاع في أسعار السلع على اختلاف أنواعها. ورفعت الحكومة أسعار الوقود بنسب كبيرة تخطت الضعفين في بعض الحالات، إذ رفعت سعر الغاز الطبيعي للسيارات من 0.4 جنيه إلى 1.10 جنيه للمتر المكعب، وزاد سعر لتر البزين 92 من 1.85 إلى 2.60، وبنزين 80 من 0.9 إلى 1.60، ولتر البنزين 95 من 5.85 إلى 6.25، ولتر السولار من 1.10 إلى 1.8. كما ارتفعت أسعار الطاقة للقطاع الصناعي وحتى للصناعات المُغذية كثيفة الاستهلاك للطاقة. وشمل القرار رفع أسعار الغاز الطبيعي والمازوت والسولار لمحطات الكهرباء والمصانع، لكن حددت الحكومة أسعاراً مختلفة لتوريد تلك المشتقات لكل صناعة. وتلت تلك الارتفاعات قرار اتخذ قبل أيام برفع أسعار الكهرباء، بنسب متفاوتة حسب شرائح الاستهلاك، بحيث يزيد سعر بيع الكهرباء مع ارتفاع معدل الاستهلاك. وبعد إعلان الأسعار الجديدة، توالت التصريحات الحكومية بالتدخل لمنع التجار من المغالاة في رفع الأسعار، لكن من دون تحديد آليات أو ضوابط أو حدود هذا التدخل. وفي حين أعلنت المحافظات المختلفة أسعاراً جديدة للنقل، تضمنت زيادات محدودة في أجرة نقل الركاب، جاءت غالبيتها في حدود 10 قروش فقط، تجاوزت الزيادات الفعلية التي فرضها السائقون تلك الحدود بكثير. ودافع رئيس الوزراء إبراهيم محلب عن قرارات حكومته التي اعتبر أن «الظروف الاقتصادية الصعبة» فرضتها، لافتا إلى أن تحريك أسعار الطاقة سيوفر نحو 51 بليون جنيه. وحذر السائقين من التلاعب بأسعار الركوب، وأكد أن السلطات «ستواجه بحسم أي محاولة للاستغلال». لكن المشكلة لا تنحصر فقط عند حدود نقل الركاب، فارتفاع الأسعار بدا أنه سيطال مختلف المنتجات، بسبب رفع أسعار الطاقة للصناعات المُغذية. وقال عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات محمد نجيب ل «الحياة» إن تلك القرارات كان يجب أن تتخذ منذ سنوات، مضيفاً: «من سيدفع الفاتورة هذه المرة هم رجال الأعمال المخلصين الذين يجب عليهم تحمل المسؤولية الوطنية... لو تعامل رجال الأعمال بحس وطني ستمر القرارات من دون تأثير كبير على المواطن». وعبر عن تأييده لقرارات رفع أسعار الطاقة، لكنه تمنى على رجال الأعمال «تقليل أرباحهم بنسب كبيرة كي لا تُثقل كاهل المواطن». وتوقع نجيب الذي يمتلك 3 مصانع للنسيج كلها كثيفة الاستهلاك للطاقة زيادة أسعار منتجاته. وقال: «لابد من أن تزيد الأسعار في الأيام المقبلة، لكن بنسب أقل من نسب ارتفاع كلفة الانتاج... زيادة كلفة الانتاج بعد الأسعار الجديدة ستكون كبيرة جداً جداً، ولو رفعنا الأسعار بالمقدار نفسه فلن يحتمل المواطن. ستكون زيادات مخيفة لن يقبلها أحد». وأضاف: «لابد من أن ندفع الثمن، وأن نُظهر حساً وطنياً في هذه المرحلة. اتحاد الصناعات سيعقد سلسلة اجتماعات للسيطرة على الوضع». ومثلما يعول نجيب على «الحس الوطني»، خاطب رئيس الوزراء أيضاً في مؤتمر صحافي «الضمير الوطني» للتجار. وقال: «الحكومة درست القرارات واتخذت إجراءات للسيطرة على أسعار الغذاء. كان أمامي سؤال كيف سنواجه موجة استغلال ستسبب غلاء؟ أول عنصر للمواجهة كان الضمير الوطني. كان هناك اتفاق بين الشعب ورئيس قال الحقيقة ولم يجمل الوضع». وأضاف: «كانت هناك اجتماعات مكثفة مع الغرف التجارية والمحافظين وأصحاب السلاسل الكبرى لتوزيع السلع الغذائية وشركات النقل، وتعاهدنا جميعاً على عدم رفع الأسعار. هناك تجار شرفاء قالوا لا تقلقوا سنخفض بعض الأسعار... الروح الوطنية عالية جداً». لكن المشرف على مصلحة الرقابة الصناعية حسن عبدالمجيد قال ل «الحياة» إن «وزارة الصناعة والمصلحة ستراقب الأسواق في الفترة المقبلة بمنتهى الدقة، وإن رأت مبالغة في رفع أسعار أي منتج، ستستدعي المُصنع للاستفسار عن السبب، ولو وجدنا استغلالا، ستكون هناك عقوبات». وأقر بأن رفع أسعار الطاقة سيتبعه بالضرورة رفع أسعار السلع. وقال: «لابد من أن نواجه واقعنا، ولابد من أن تقوم الأجهزة الرقابية بدورها في المرحلة المقبلة. سنمنع رفع الأسعار في شكل مُبالغ فيه، ولن نسمح بالاستغلال». وأضاف أن «حجم الزيادة في كلفة إنتاج أي سلعة مُحدد ومعروف، وأي مصنع سيرفع الأسعار بطريقة فيها مبالغة ستكون هناك قرارات ضده. هذا أمر متفق عليه، والأجهزة الرقابية ستجتمع (اليوم) في جهاز حماية المستهلك لدرس الأمر».