ايران وليس الولاياتالمتحدة أو الغرب هي التهديد الأول الذي رآه الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وهذا الاعتقاد كان وراء مزاعمه امتلاك أسلحة الدمار الشامل «غير الموجودة أساسا» وسعيه الى اخماد «الانتفاضة الشيعية» في جنوب العراق. كما كانت الهم الأول الذي كاد يدفعه الى طلب ضمانات أمنية من واشنطن. وينقل مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) تفاصيل استراتيجية الرئيس العراقي الراحل، والتي استقاها من تحقيقات وأحاديث أجريت معه خلال فترة اعتقاله، وتدحض هذه التحقيقات التي كشف مضمونها امس مزاعم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لتبرير الحرب، خصوصا امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وان ثمة رابطا بينه وبين تنظيم «القاعدة». ونقل الأرشيف القومي الأميركي عن مكتب «اف بي آي» النص الكامل لتقارير أعدها المحقق الفيديرالي اللبناني الأصل جورج بيرو (37 عاما)، والمبنية على 20 تحقيقاً رسمياً بين 7 شباط (فبراير) و1 أيار (مايو) 2004، وخمسة أحاديث «عفوية» أجراها بيرو مع صدام بين 10 أيار وحزيران (يونيو) 2004. وتشمل الاستجوابات الرسمية حقبة صعود صدام الى الحكم، واجتياح الكويت، واخماد انتفاضة الشيعة، فيما تم التطرق الى مسألة أسلحة الدمار الشامل في الأحاديث العفوية. وخلصت التقارير، وبينها حديث جرى في 11 حزيران 2004، الى أن خوف النظام العراقي السابق من ايران «كان أكبر بكثير من خوفه من الولاياتالمتحدة»، والى ان الرئيس العراقي ابدى قناعة تامة بأن ايران «تريد السيطرة الكاملة ومصادرة جنوب العراق... وأن دول المنطقة ضعيفة للدفاع عن نفسها أو عن العراق في حال وقوع أي هجوم ايراني». وكتب بيرو في تقريره أن «ايران كانت السبب الرئيسي لمنع صدام مفتشي الأممالمتحدة بالعودة الى العراق» لأنه كان «قلقا من أن تكتشف طهران نقاط الضعف العراقية» وأنه لم يكن يملك أسلحة دمار شامل. وكان هذا القلق «أكبر بكثير من خوفه من تداعيات خلافه مع واشنطن أو الاممالمتحدة»، وأنه لم يكن يتوقع أن يؤدي الخلاف الى الحرب. وأكد صدام للمحقق أن «العراق ليس لديه أسلحة دمار شامل ولم تكن لديه منذ فترة طويلة». وأضاف أن التهديد الايراني «هو السبب الرئيسي لمنع المفتشين من العودة، وأنه لم يرد أن يضع العراق في موقع ضعيف ومهتز أمام ايران وقيادتها المتطرفة». وكاد هذا الخوف من التهديد الايراني يدفعه الى «درس فكرة معاهدة أمنية مع الولاياتالمتحدة لحماية العراق». واشتكى صدام من تركيز الأممالمتحدة لفترة طويلة على العراق ونزع اسلحته مع حلول 1998، فيما كانت ايران تتسلح. ونفى «أنه كان أعاد بناء ترسانة أسلحة الدمار الشامل»، مشيرا الى أنه عقد اجتماعات متكررة مع مستشاريه ووزرائه «وسألهم تحديدا اذا كانت هناك أسلحة دمار شامل في العراق هو ليس على علم بها، ونفوا جميعا». ونقل التقرير عن صدام قوله لبيرو: « دمرناها كلها. قلت لك مرارا... بحق الله لو كانت لدي أسلحة كهذه لكنت استخدمتها في الحرب ضد الولاياتالمتحدة». وعن استهدافه الشيعة في جنوب العراق بعد حرب الخليج في 1991، قال الرئيس العراقي الراحل إن العملية استهدفت «عملاء ايران والشيعة الخارجين عن القانون واللصوص الطامعين»، وان طهران شجعت الانتفاضة الشيعية في حينها. وفي جلستي 25و28 حزيران 2008، قال صدام لبيرو إنه «لا يكترث بإسامة بن لادن» ووصفه ب «المتعصب». لكنه اعترف بأن عملاء عراقيين التقوا بن لادن وأن «القاعدة» طلبت عشرة ملايين دولار، لكنه رفض اعطاءها المبلغ، ونفى أي روابط عملية مع «القاعدة»، وهو ما كان زعمه نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني لتبرير الحرب. وقال صدام للمحقق الأميركي إنه «تاريخيا هناك تنازع بين المتطرفين المسلمين والقيادات السياسية» مشيرا الى أنه شخصيا «مؤمن بالله انما ليس متعصبا والدين والدولة يجب عدم خلطهما». وقال إنه وبن لادن «ليس لديهما الرؤية ذاتها»، مضيفا أن «الولاياتالمتحدة لم تكن عدوة للعراق وأنه فقط عارض سياستها». أما عن المجازر التي ارتكبها الجيش العراقي في حرب الكويت، فقال صدام: «هذه المرة الأولى التي أسمع بها».